[ ص: 302 ] فصل :
الماء المستعمل في إزالة النجس
وأما الضرب الثاني من ضروب الماء المستعمل وهو ما كان مستعملا في إزالة نجس ، فلا يخلو حاله بعد انفصاله من أحد أمرين : إما أن يكون متغيرا بالنجاسة ، أو غير متغير فإن كان متغيرا بالنجاسة ، فهو نجس لقوله صلى الله عليه وسلم : "
لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه أو ريحه " وإن كان غير متغير فلا يخلو حال النجاسة من أحد أمرين : إما أن تكون باقية في محلها أو زائلة ، فإن كانت باقية فالماء المنفصل عنها نجس : لأنه ماء منفصل عن محل نجس ، وإن كانت قد زالت عن محلها بالماء حتى صار المحل طاهرا فذهب
الشافعي أن الماء المنفصل عنها طاهر غير مطهر كالمستعمل في الحدث . وقال
أبو القاسم الأنماطي من أصحابنا : هو نجس ، وبه قال
أبو حنيفة استدلالا بأنه ماء خالطته نجاسة ، فوجب أن يكون نجسا ، كما لو وردت عليه نجاسة قالوا ، ولأنه لما كان المستعمل في رفع الحدث يسلبه ما خالفه فيه من التطهير وجب أن يكون المستعمل في إزالة النجس يسلبه ما خالفه فيه من الطهارة ، والتطهير ودليلنا على طهارته قوله صلى الله عليه وسلم في بول الأعرابي : "
صبوا عليه ذنوبا من ماء " . فلو لم يصر الماء بوروده على النجاسة طاهرا لكان أمره بصب الماء على بول الأعرابي عبثا ، ولأن الماء إذا ورد على التراب النجس كان طاهرا قبل انفصاله ، وفاقا فاقتضى أن يكون طاهرا بعد انفصاله حجاجا إذ ليس له بعد الانفصال حال لم تكن قبل الانفصال ، وقد يتحرر من هذا الاعتدال قياسان :
أحدهما : أنه طاهر لاقى محلا نجسا فوجب أن يكون طاهرا قياسا عليه إذا كان متصلا .
والثاني : أن كل عين لا ينجس الماء بملاقاتها لم ينجس بمفارقتها ، كالأعيان الطاهرة .
فإن قيل : لا يجوز أن يجمع بين ما انفصل عن النجاسة إلى ما لم ينفصل عنها كما لم يجز أن يجمع بين ما انفصل عن الأعضاء إلى ما لم ينفصل عنها وكان الفرق المانع ، والفرق بينهما في رفع الحدث هو الفرق المانع بينهما في إزالة النجاسة .
فالجواب عنه أن الاستعمال يكون بالفعل وذلك لا يكون إلا بعد الانفصال ، فوقع الفرق بين الحالين ، والتنجيس أنه لو كان فبالملاقاة ، وذلك قبل الانفصال فاستوى الحكم في الحالين .
فأما الجواب عن جمعهم بين
ورود النجاسة على الماء وبين ورود الماء على النجاسة في تنجيسه في الحالين فهو أن الفرق وارد بينهما من وجهين :
[ ص: 303 ] أحدهما : السنة الواردة بالفرق بينهما حيث أمر النبي صلى الله عليه وسلم بصب الماء على بول الأعرابي ولو صار نجسا لم يأمر به ، وحيث نهى من استيقظ من النوم أن يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ، ولو كان الماء لا ينجس لم ينه عنه ، فدلت السنة على الفرق بين الأمرين وأن ورود الماء على النجاسة ، لا يوجب تنجيسه ، لحديث الأعرابي ، وأن ورود النجاسة على الماء يوجب تنجيسه لحديث المستيقظ من النوم .
والفرق الثاني : من طريق المعنى : أن الضرورة داعية إلى تطهير الماء لوروده على الماء ، لأنه لو صار نجسا لما أمكن تطهير نجاسته عن المحل لأن الماء نجس بوروده على ذلك المحل فحكم بطهارته ، وليست الضرورة داعية إلى تطهير الماء بورود النجاسة عليه فحكم بتنجيسه ، وأما الجواب عن استدلالهم بأن النجاسة تسلب الماء بما خالفها من الطهارة والتطهير ، فهو أن التطهير صفة متعدية فجاز أن تزول عن الماء ، والطهارة صفة لازمة فجاز أن لا تزول عن الماء ، لأن المتعدي مفارق واللازم مقيم .
فصل : فعلى هذا لو أن
ثوبا نجسا طرح في إناء ثم صب عليه من الماء ما أزال أثر النجاسة عنه كان الثوب وما احتمله من الماء ، وما فضل في الإناء طاهرا كله ، فلو عصر الثوب في الإناء كان الماء المنفصل قبل العصر طاهرا مستعملا ، ولو ابتدأ بصب الماء في الإناء ، ثم ألقى الثوب النجس فيه صار الثوب والماء والإناء نجسا كله : لأنها نجاسة وردت على ماء وفي الأول ماء ورد على نجاسة ، فلو
بسط الثوب على رأس الإناء ثم أراق الماء عليه فوقع على الثوب ، ثم نزل في الإناء طهر الماء والثوب إذا لم يبق للنجاسة أثر .