مسألة :
الكلب إذا ولغ في إناء
قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإذا ولغ الكلب في الإناء فقد نجس الماء وعليه أن يهرقه " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ، الكلب نجس ، فإذا ولغ في الإناء صار وما فيه نجسا ، وقال
مالك وداود : الكلب طاهر فإذا ولغ في الإناء كان وما فيه طاهرا ، ووجب غسله تعبدا ، وبه قال
الزهري والأوزاعي والثوري استدلالا بأن الله تعالى أباح الاصطياد به فقال :
وما علمتم من الجوارح مكلبين [ المائدة : 4 ] ولو كان نجسا لأفسد ما صاده بفمه ، ولما ورد الشرع بإباحته ، وبرواية
عطاء عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة ، وقيل إن الكلاب والسباع تلغ فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لها ما في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور " فدل هذا الحديث على
طهارة الكلب من وجهين .
أحدهما : أنه جمع بينه وبين السباع فلما كان السبع طاهرا كان ما جمع إليه في الحكم طاهرا .
[ ص: 305 ] والثاني : أنه جعل ما بقي من شربه طهورا ، وقد يكون الباقي قليلا ، ويكون الباقي كثيرا ، قالوا : ولأنه حيوان يجوز الاصطياد به فوجب أن يكون طاهرا كالفهد ، قالوا : ولأنه لما كان الموت علما على النجاسة كانت الحياة علما على الطهارة ، والدليل على نجاسته ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : "
إن الله تعالى حرم الكلب وحرم ثمنه وحرم الخمر وحرم ثمنها " فاقتضى أن يكون التحريم في جميعه عاما ، وروى
مطرف عن
ابن المغفل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بقتل الكلاب ثم قال : ما لهم ولها فرخص في كلب الصيد وكلب الغنم فلما أمر بقتلها واجتنابها ، ورخص في الانتفاع ببعضها كان ذلك دالا على نجاستها . وروى
ابن سيرين عن
أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
طهور إناء أحدكم إذا ولغ فيه الكلب أن يغسل سبع مرات الأولى بالتراب " وحدوث الطهارة في الشيء إنما تكون بعد تقديم نجاسة وروي
أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدخل على قوم فامتنع من الدخول عليهم ، فقيل له في ذلك : فقال : لأن عندهم كلبا قيل : فإنك تدخل على فلان وعندهم هر فقال : إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات " فكان تعليله للهر أنها ليست بنجس دليلا على أن الكلب نجس ، ويدل على
نجاسة سؤره من طريق المعنى مع حديث
أبي هريرة المتقدم أنه مائع ورد الشرع بإراقته فوجب أن يكون نجسا كالخمر ، لأنه غسل بالمائعات موضع الإصابة فوجب أن يكون غسل نجاسته قياسا على ما حلته نجاسة : لأن غسل التعبد مختص بالأبدان وغسل الأواني مختص بالنجاسة ، ولأنه لو كان للتعبد لما أمر بإراقة المائع ما فيه من إضاعة المال ، وقد يكون مكان الماء ما هو أكثر ثمنا من الماء .
فأما الجواب عن استدلالهم بإباحة الاصطياد به فهو أنه لا دليل فيه : لأن النجس قد يجوز الانتفاع به في حال كالميتة ، وأما
موضع فمه من الصيد فقد اختلف أصحابنا فيه فذهب جمهورهم إلى نجاسته وتفرد بعضهم بطهارته : لأن الآية وردت بالإباحة ، فلو حكم بتنجيس ما أصابه بفمه لخرجت عن الإباحة إلى الحظر : لأن لعابه يسري فيما عضه من الصيد ، فلا يمكن غسله فصار معفوا عنه ، وليس ينكر أن
يعفى عن شيء من النجاسة للحوق المشقة في إزالته كدم البراغيث وأثر الاستنجاء ، وأما الجواب عن الخبر فهو أن الحياض كثيرة الماء في الغالب وتنجيسها بالولوغ لا يحصل ، ثم الولوغ فيها ، ولو كانت قليلة المياه شك ، والشك لا يوجب التنجيس ، وأما قياسهم على الفهد والنمر ، فالمعنى فيه أنه لا يلزم غسل الإناء من ولوغه ، وأما استدلالهم بأن الحياة علة الطهارة فغير صحيح : لأنه لما كان في بعض الأموات طاهرا جاز أن يكون في بعض الأحياء نجسا .