مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " وإن باع ثمر حائط ، وفيه الزكاة ، ففيها قولان : أحدهما : أن يكون للمشتري الخيار في أن يأخذ ما جاوز الصدقة بحصته من الثمن أو الرد . والثاني : إن شاء أخذ الفضل عن الصدقة بجميع الثمن أو الرد ، وللسلطان أخذ العشر من الثمرة ( قال
المزني ) هذا خلاف قوله فيمن اشترى ما فيه الزكاة أنه يجعل أحد القولين أن البيع فيه باطل ولم يقله هاهنا " .
[ ص: 204 ] قال
الماوردي : وقد مضت هذه المسألة في كتاب الزكاة مستوفاة ، وسنذكر هاهنا ما يقتضيه الموضع ، ويسعدنا به الخاطر ، فنقول : إذا
باع ثمرة حائطه بعد وجوب الزكاة فيها وقبل أداء الزكاة منها ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يستثني من البيع قدر الزكاة .
والثاني : ألا يستثنيه .
فإن استثنى قدر الزكاة منها فهو بيع جائز ، ويكون المبيع هو الباقي منها بعد قدر الزكاة ، وذلك تسعة أعشارها إن كانت سيحا فقدر زكاتها العشر ، أو تسعة أعشار ونصف ، إن كانت نضحا فقدر زكاتها نصف العشر ، ولا بد من ذكر قدر الزكاة في البيع أعشر هو أو نصف عشر .
وقال
مالك رحمه الله : ليس يلزم ذكر القدر : لإن العلم به شرعا يغني عن ذكره شرطا . وهذا ليس بصحيح : لأنه لو كان علمه بالشرع يغني عن استثنائه بالشرط ، لكان العلم بوجوب الزكاة يغني عن اشتراط الزكاة ، فلما لم يغن ذلك في الأصل لم يغن في القدر .
فإذا استثنى البائع قدر الزكاة على المشتري فعليه أن يدفعها من الثمرة بعد الجداد ، فإن أراد أن يدفع قدر الزكاة من غير تلك الثمرة ، ففيه وجهان :
أحدهما : يجوز : لأنه يحل محل البائع وقد كان للبائع دفع الزكاة من غيرها .
والوجه الثاني : لا يجوز : لأن المشتري لم يملك قدر الزكاة بعقد ولا غيره ، وإنما هو كالوكيل فيها بخلاف البائع الذي كان مالكا لها ، فلم يجز أن يتصرف فيما لم يجز له عليه ملك .
فلو كان المشتري قد استهلك جميع الثمرة رطبا ، كان فيما يطالب به المشتري من حق الزكاة ، وجهان :
أحدهما : يطالب بعشر الثمرة تمرا ، وهذا على الوجه الذي يجيز له دفع الزكاة من غيرها ، فيجعل ذلك منه ضمانا لعشرها تمرا .
والوجه الثاني : يطالب بقيمة عشرها رطبا وهذا على الوجه الذي يمنعه من أن يدفع الزكاة من غيره : لأنه استهلك حق المساكين رطبا فيلزمه قيمته . فعلى هذا إن كان قيمة عشرها رطبا أقل من قيمة عشرها تمرا فهل يرجع على البائع بفضل ما بينهما من النقص على وجهين مخرجين من اختلاف قوليه في الزكاة هل وجبت في الذمة أو في العين .
فإن قيل بوجوبها في الذمة رجع عليه بقدر النقص لاشتغال الذمة بها . وإن قيل بوجوبها في العين لم يرجع عليه بقدر النقص لزوال يده عن العين . والله أعلم .
[ ص: 205 ]