مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " وإن كانت أمة ثيبا فوطئها فالوطء أقل من الخدمة " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
وطء المشتري للأمة الثيب لا يمنعه من ردها بالعيب ، ولا مهر عليه ، وهو قول
زيد بن ثابت .
وقال
أبو حنيفة : وطؤه مانع من الرد بالعيب ويرجع بالأرش .
وقد روي نحوه عن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وقال
ابن أبي ليلى : يردها ويرد معها عقرها ، وهو المهر . وروي بنحوه عن
عمر رضي الله عنه قال : وعقرها إن كانت بكرا عشر قيمتها ، وإن كانت ثيبا نصف العشر " واستدل من جعل الوطء مانعا من الرد بالعيب ، بأنه وطء ويكمل به المهر ، فوجب أن يكون حدوثه من المشتري مانعا من الرد بالعيب قياسا على وطء البكر ، قالوا : ولأن الوطء كالجناية لأمرين :
أحدهما : أنه لا يستباح بالإباحة .
والثاني : أنه لا ينفك من وجوب ما له أو وجوب حق في بدن يسقط بالشبهة .
[ ص: 247 ] فإذا ثبت بهذين أنه كالجناية وجب أن يكون مانعا من الرد كالعيب كالجناية .
والدلالة على أن لا يمنع من الرد بالعيب ، أن الوطء أقل من الخدمة : لأن الوطء يلذ ويطرب ، والخدمة تكدر وتتعب ، فلما جاز له الرد مع ما أكد وأتعب ، فأولى أن يجوز مع ما ألذ وأطرب ، وقد يتحرر هذا الاستدلال قياسا ، فيقال : لأنه معنى لم يؤثر في العين والقيمة ، فوجب أن لا يمنع من الرد كالخدمة : ولأن وطء الأجنبي بالزنا كرها أغلظ من وطء المشتري بالملك طوعا ، فلما كان زنا الأجنبي بها لا يمنع من الرد بالعيب ، فوطء المشتري أحرى أن لا يمنع من الرد بالعيب ، وتحريره أنه استمتاع لم يتضمن إتلافا فوجب أن لا يمنع من الرد بالعيب قياسا على الأجنبي ، ولأنها أولى لو كانت ذات زوج لم يكن وطء الزوج مانعا للمشتري من الرد ، فوطء المشتري أولى أن لا يمنعه من الرد كالزوج ، وتحريره قياسا أنه وطء لو كان حراما ، لم يمنع من الرد ، فأولى إذا كان حلالا أن لا يمنع من الرد كالزوج ، ولأن كل معنى لو حدث عند البائع بعد العقد وقبل القبض لم يثبت للمشتري الفسخ ، وجب إذا كان عند المشتري أن لا يمنعه من الرد كالقبلة .
وقد ثبت أنها لو وطئت في يد البائع بشبهة ، لم يكن ذلك عيبا يستحق به المشتري الفسخ ، فكذلك إذا وطئها المشتري لم يكن ذلك عيبا يمنعه من الرد .
فأما الجواب عن قياسهم على وطء البكر ، فالمعنى فيه أنه نقص يوكس من ثمنها ، وليس كذلك الثيب .
وأما الجواب عن قولهم أن الوطء كالجناية ، فغلط من وجهين :
أحدهما : أن الجناية نقص يوكس القيمة وليس كذلك الوطء .
والثاني : أن الجناية لما لم يختلف حكمها في وجودها من المشتري وغيره في المنع من الرد بالعيب ، واختلف عندهم وطء المشتري وغيره في المنع من الرد بالعيب ، دل على اختلاف حكمها ، والله أعلم .