فصل : فإن
كانت الجناية موجبة للمال ، فهي مانعة من بيعه ما لم يقده السيد من جنايته ، فإن باعه قبل أن يقديه منها ، لم يخل السيد من أن يكون موسرا بالجناية أو معسرا : فإن كان معسرا بها بطل بيعه : لأن أرش الجناية مستحق وتقديمها أحق ، وإن كان موسرا بها ففي بيعه قولان :
أحدهما : أن بيعه جائز : لبقائه على ملكه فيبقى حكمه على ما كان من قبل في جواز تصرفه ، وهذا قول
أبي حنيفة .
والقول الثاني : وهو أظهر : أن بيعه باطل : لأن تعلق الجناية برقبته أوكد من تعلق الرهن بها : لتقديم الجناية عند اجتماعهما ، فلما كان رهنه مانعا من جواز بيعه ، فأولى أن تكون الجناية مانعة من جواز بيعه ، فعلى هذا القول يكون بيعه باطلا فداه السيد من بعد أم لا ، وسواء أقل أرش الجناية أو كثر ، فأما إذا قيل بالأول أن بيعه جائز ، فإن السيد مأخوذ بفكه من جنايته ، فإن كانت الجناية بإزاء قيمته فما دون بجميعها وإن
كانت الجناية أكثر من قيمته فعلى قولين :
أحدهما : عليه أن يفديه بجميعها وإن زادت على قيمته أضعافا : لأنه بالمنع منه قطع رغبة الراغبين فيه .
والثاني : عليه أن يفديه بقدر قيمته لا غير : لأن الزيادة لم تعلق بها الجناية ، فإن فداه من جنايته استقر البيع وصح ، وإن امتنع أن يفديه منها ، فهل يؤخذ أرشها منه جبرا أو يفسخ البيع وتباع في الأرش على وجهين :
[ ص: 265 ] أحدهما : وهو قول
أبي إسحاق المروزي ، لا يجبر على دفع الأرش : لأنه لا يضمنه ، لكن يفسخ عليه البيع ليباع في الأرش .
والوجه الثاني : يؤخذ منه الأرش جبرا ولا يفسخ البيع : لأن حق المشتري قد تعلق به ، وهو بالبيع ملتزم لفديه .