مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " فإذا حلفا معا ، قيل للمشتري : أنت بالخيار في أخذه بألف ، أو رده ولا يلزمك ما لا تقر به " .
قال
الماوردي : إذا ثبت أن
اختلاف المتبايعين يوجب التحالف مع بقاء السلعة وتلفها ، فالتحالف إنما يكون عند حاكم نافذ الحكم : لأن
الأثمان المستحقة في الدعاوى إنما تتعلق بها الأحكام عند الحكام ، ولو تحالفا لأنفسهما لم يكن لأيمانهما تأثير في فسخ ولا لزوم . وإذا كان كذلك وأراد الحاكم أن يحلفهما عند اختلافهما ، فقد قال
الشافعي في كتاب السلم الكبير في اختلاف
أبي حنيفة وابن أبي ليلى : يبدأ بإحلاف البائع قبل المشتري . وقال في كتاب المكاتب ما يقتضيه ، ثم خالف في الصداق فقال : إذا
اختلف الزوجان في المهر وتحالفا بدأت بالزوج ، وهذا مخالف لما تقدم لأن الزوج يحل محل المشتري . وقال في كتاب الدعوى والبينات وآداب القضاة : إن بدأ البائع باليمين خير المشتري وإن بدأ بها المشتري خير البائع ، وهذا يدل على أن للحاكم تقديم أيهما شاء فهذه ثلاثة نصوص مختلفة .
واختلف أصحابنا فيها على طريقين : فمنهم من جعلها أقاويل مختلفة ، وخرج المسألة على ثلاثة أقاويل :
أحدها :
يبدأ بيمين البائع : لأنه أقوى جنبة لعود المبيع إليه بيمينه .
والثاني : أنه
يبدأ بيمين المشتري : لأنه أقوى جنبة لكون المبيع وقت التحالف على ملكه .
والقول الثالث أن
للحاكم تقديم أيهما شاء لاستوائهما في الدعوى .
وقال آخرون من أصحابنا : وهو أصح : أنه ليس اختلاف هذه النصوص لاختلاف الأقاويل ، إنما الجواب على ظاهره في
البيوع والصداق فيبدأ في البيع بإحلاف البائع قبل المشتري على ظاهر نصه ، وفي الصداق بإحلاف الزوج قبل الزوجة على ظاهر نصه .
[ ص: 301 ] والفرق بينهما أن تحالفهما في البيع يرد المبيع إلى يد بائعه فبدئ بإحلافه .
وتحالفهما في المهر لا يرفع ملك الزوج عن البضع ، وهو بعد التحالف على ملكه فبدئ بإحلافه . وأما ما قاله في الدعوى والبينات ، فإنما أراد به أن الحاكم إن أداه اجتهاده إلى تقديم المشتري جاز ، وإن أداه اجتهاده إلى تقديم البائع جاز : لأن تقديم أحدهما طريقة الاجتهاد دون النص ، فجاز أن يؤدي الاجتهاد إلى تقديم كل واحد منهما ، وليس كاللعان الذي ورد النص بتقديم الزوج ، ولا يجوز خلافه . فإذا ثبت أنه يبدأ بيمين البائع على ما شرحنا من المذهب ، فهل تقديمه في اليمين من طريق الأولى إلى طريق الاستحقاق ؟ على وجهين :
أحدهما : أن تقديمه على طريق الاستحقاق ، فإن قدم عليه المشتري لم يجز إلا أن يؤديه اجتهاده إليه .
والوجه الثاني : أن تقديمه على طريق الأولى ، فإن قدم عليه المشتري جاز ، وإن لم يؤده اجتهاده إليه ، والأول أشبه .