مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " ومما يدخل في هذا المعنى أن
يبيع الرجل عبدا لرجل ولم يوكله ، فالعقد فاسد أجازه السيد أو لم يجزه ، كما اشترى آبقا فوجده لم يجز البيع : لأنه كان على فساد إذ لم يدر أيجده أو لا يجده ، وكذلك مشتري العبد بغير إذن سيده لا يدري أيجيزه المالك أو لا يجيزه " .
وهذا كما قال . لا يجوز للرجل أن
يبيع ملك غيره بغير أمره ليكون العقد موقوفا على إجازته ، ولا أن يشتري له بغير أمره ليكون موقوفا على إجازته " .
قال
الماوردي : وأجاز مالك البيع والشراء جميعا على الإجازة .
وأجاز
أبو حنيفة البيع على الإجازة دون الشراء : استدلالا بحديث ثبت عن
ابن فرقدة أنه سمع الحي يتحدثون
nindex.php?page=hadith&LINKID=923132عن عروة بن أبي الجعد البارقي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه دينارا ليشتري له به شاة أو أضحية ، فاشترى له شاتين ، فباع إحداهما بدينار وأتاه بشاة ودينار ، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعه بالبركة ، فكان لو اشترى ترابا لربح فيه وبما روي
nindex.php?page=hadith&LINKID=923133أنه أعطى حكيم بن حزام دينارا ليشتري له به أضحية فاشترى أضحيتين بدينار وباع إحداهما بدينار ، ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأضحية ودينار .
قال : هذان الخبران على جواز له وقوف البيع على إجازة المالك .
قالوا : ولأنه عقد له لم يجز في الحال فجاز أن يقف على الإجازة كالوصية ، قالوا : ولأنه بيع مال يتعلق به حق الغير فجاز أن يقف على إجازته كالمريض إذا حابى في بيعه . قالوا : ولأن جميع العقد أكمل من شطره ، فلما وقف شطره وهو البدل على إجازة المشتري بالقبول ، فأولى أن يصح وقف جميعه على الإجازة بعد البدل والقبول .
قالوا : ولأنه لما جاز أن يكون العقد موقوفا على الفسخ إذا ثبت فيه الخيار ، جاز أن يكون موقوفا على الإمضاء إنما لم يوجد معه الإذن .
والدلالة على صحة ما ذهبنا إليه
nindex.php?page=hadith&LINKID=922969أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر وهذا داخل فيه لتردده بين جوازين .
وروى
يوسف بن ماهك ، عن
حكيم بن حزام ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923134لا تبع ما ليس عندك . يعني ما ليس في ملكك .
[ ص: 329 ] وروى
وائلة بن عامر ، أو
عامر بن وائلة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
" لا تبع ما لا تملك " .
وهذا نص . ولأن عقد البيع ينقل ملكا عن البائع إلى مالك هو المشتري ، فلما لم يجز أن يكون موقوفا على إجازة المشتري مع ما فيه من تجديد ملكه ، فأولى أن يكون موقوفا على إجازة البائع لما فيه من انتزاع ملكه . وتحرير ذلك قياسا أنه أحد طرفي البيع فلم يجز أن يقف على الإجازة كالمشتري ، فإن قال
أبو حنيفة : إنما لم يجز وقوف الشراء : لأنه يلزم العاقد فلم يوقف على غيره ، وجاز وقوف البيع : لأنه لا يلزم العاقد فوقف على غيره . فعلى هذا لا يصح ، لأن العاقد لم يتول العقد لنفسه وإنما تولاه لغيره .
وأقوى أحواله أن يكون كالوكيل في الشراء ، والوكيل لا يملك ما اشتراه لموكله ثم ينتقل عنه : لأن توكيل العبد في الشراء يجوز وإن كان العبد لا يملك ، وتوكيل الرجل في شراء أبيه يجوز ولا يعتق عليه ولو ملكه لعتق عليه ، ولم يجز أن ينقل ملكه إلى موكله . وإذا كان كذلك فيمن صحت وكالته فأولى أن يكون كذلك ، فمن لم تصح وكالته . ويدل على المسألة أيضا أنه بيع بغير رضى من يلزم العقد رضاه ، فوجب أن يكون باطلا كبيع المكره . ولأنه بيع عن لا قدرة لأحد المتعاقدين على إيقاع قبض فيها ، فوجب أن يكون باطلا كبيع الطير في الهواء والحوت في الماء . ولأن نفوذ البيع إنما يكون في ملك ، وعن إذن من له الملك ، فلما كان لو
عقد على غير ملك كالخمر ثم صار المعقود عليه ملكا بأن صار الخمر خلا لم يصح العقد ، وجب إذا عقد عن غير إذن المالك فلم ينفذ العقد ، ثم أذن المالك أن لا يصح العقد .
وتحريره قياسا أنه عقد بيع لم ينفذ عند عقده فوجب أن لا ينفذ من بعده أصله ما ذكرنا في بيع ما ليس عندك إذا صار ملكا .
وأما الجواب عن حديث
عروة ، فهو أنه مرسل لا يلزمنا القول به ، ولو صرنا إليه لم يكن فيه دلالة ، لما فيه من الشراء الذي لا يصح وقوفه عندهم ، والبيع الذي لا يصح وقوفه عندنا ، وقد أثنى عليه النبي صلى الله عليه وسلم ، والثناء لا يستحقه بمخالفته ، فدل على أنه فعل ذلك عن إذنه .
وأما حديث
حكيم بن حزام فيحتمل أمرين :
أحدهما : أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم رد الأمر فيه إلى رأيه فرأى ما فعله فكان مأذونا فيه .
والثاني : أنه اشترى ذلك لنفسه ثم باعه لنفسه ثم اشترى للنبي صلى الله عليه وسلم شاة عن إذنه المتقدم .
أما قياسهم على الوصايا فغير صحيح : لأن حكم الوصايا أوسع وحكم العقود أضيق ، ألا ترى أن
القبول في الوصية على التراخي فجاز أن تكون موقوفة على الإجازة ،
والقبول في البيوع على الفور ، فلم يجز أن تكون موقوفة على الإجازة .
وأما قياسهم على محاباة المريض فلا يصح . لأن المحاباة في المرض وصية ، وقد ذكرنا المعنى في جواز وقف الوصايا على الإجازة ، فإن البيع لا يقف على الإجازة .
[ ص: 330 ] وأما استدلالهم بأنه لما جاز وقوف البدل على قبول المشتري جاز وقوف العقد كله على إذن المالك ، فغير صحيح : لأن المشتري ليس يوقف البدل على إجازته بالقبول : لأنه لم يملك فيه حقا ، وإنما تمام العقد معتبر بقبول المشتري فلم يسلم الاستدلال .
وأما استدلالهم بأنه لما جاز وقوف العقد على الفسخ جاز وقوفه على الإجازة ، فالمعنى في الفسخ أنه دفع للعقد بعد صحته فجاز وقوفه ، والإجازة إنما هي وقوف ما لم يتقدم صحته ، فجاز وقوف ما صح ، ولم يجز وقوف ما لم يصح ، والله أعلم بالصواب .