مسألة : وقال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=923159 " لا تتلقوا الركبان للبيع " ( قال
الشافعي ) وسمعت في هذا الحديث :
" فمن تلقاها فصاحب السلعة بالخيار بعد أن يقدم السوق " ( قال ) وبهذا نأخذ إن حط كان ثابتا ، وهذا دليل أن البيع جائز غير أن لصاحبها الخيار بعد قدوم السوق : لأن شراءها من البدوي قبل أن يصير إلى موضع المتساومين من الغرر بوجه النقص من الثمن فله الخيار " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال . والأصل فيه رواية
الشافعي ، عن
مالك ، عن
أبي الزناد ، عن
الأعرج ، عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923161 " لا تلقوا الركبان للبيع " .
قال
الماوردي : روى
الشافعي ، عن
عبد الحميد ، عن
ابن جريج ، عن
هشام بن حسان ، عن
ابن سيرين ، عن
أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923162 " لا تلقوا الجلب فمن تلقاه فاشترى منه شيئا فإذا أتى بائعه السوق فهو بالخيار " .
فعلى هذان الخبران على المنع من
تلقي الركبان لابتياع أمتعتهم قبل قدوم البلد .
[ ص: 349 ] فاختلف أصحابنا في
المعنى الذي لأجله نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك ومنع منه . فقال جمهورهم : إن المعنى فيه أن قوما
بالمدينة كانوا يتلقون الركبان إذا وردت بالأمتعة فيخبرونهم برخص الأمتعة وكسادها ويبتاعونها منهم بتلك الأسعار ، فإذا ورد أرباب الأمتعة
المدينة شاهدوا زيادة الأسعار وكذب من تلقاهم بالأخبار ، فيؤدي ذلك إلى انقطاع الركبان وعدولهم بالأمتعة إلى غيرها من البلدان ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تلقيهم نظرا لهم ، ولما في ذلك من الخديعة المجانبة للدين ، كما نهى أن يبيع حاضر لباد نظرا لأهل البلد : لتعم المصلحة بالفريقين بالنظر لهما .
وقال آخرون : بل المعنى في النهي عن تلقيهم أن من كان يبتاعها منهم يحملها إلى منزله ويتربص بها زيادة السعر ، فلا يتسع على أهل
المدينة ولا ينالون نقصا من رخصها ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن
تلقي الركبان للبيع حتى ترد أمتعتهم السوق فتجتمع فيه وترخص الأسعار بكثرتها فينال أهل المدينة نفعا برخصها ، فيكون هذا النهي نظرا لأهل المدينة أيضا كما نهى أن يبيع حاضر لباد نظرا لأهل المدينة ، والله أعلم .
فصل : وإذا صح ما ذكرنا من معنى النهي ، فتلقى قوم الركبان قبل ورود البلد فابتاعوا أمتعتهم ، ثم ورد أرباب الأمتعة وباعتها البلد فإذا أغبنهم فلهم الخيار في إمضاء بيعهم الماضي ، أو فسخه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923163فإذا أتى بائعه السوق فهو بالخيار .
واستدرك بالفسخ إزالة ما ورد النهي عنه .
ثم اختلف أصحابنا في هذا الخيار على وجهين :
أحدهما : أنه خيار عيب ، وهذا قول من زعم أن معنى النهي عن تلقيهم ما يلحقهم من الغبن باسترخاص أمتعتهم ، فعلى هذا لو لم يغبنوا في بيعها ، وأخبروا بالأسعار على صدقها ، وكان سعر العسل بالبلد عشرة أمناء بدينار ، فأخبروهم أن سعره كذلك فلا خيار لهم : لأنهم لم يلحقهم غبن في بيعهم ، وإنما يثبت لهم الخيار إذا أخبروهم والسعر عشرة أمناء بدينار ، وأنه يساوي أحد عشر منا بدينار فيكونوا بالخيار لأجل الغبن .
والثاني : لهم الخيار اعتبارا بوجوبه في ابتداء الحال .
ثم يكون هذا الخيار مستحقا على الفور : لأنه خيار عيب ، فمتى أمكنهم الفسخ بعد قدوم البلد فلم يفسخوا سقط .
والوجه الثاني : في الأصل أن هذا الخيار خيار شرع ، وهذا قول من زعم أن معنى النهي عن تلقي الركبان أن تجتمع الأمتعة في البلد فترخص على أهله ، فعلى هذا ثبت الخيار لأرباب الأمتعة ، سواء غبنوا في بيعها أم لا ، صدقوهم في الأسعار أم كذبوهم .
وفي زمان الخيار على هذا وجهان :
أحدهما : أنه على الفور كالعيب فإن ترك الفسخ مع الإمكان سقط .
[ ص: 350 ] والثاني : أنه ممتد إلى ثلاثة أيام كالمصراة .
فلو
ورد أرباب الأمتعة البلد فتلقاهم قوم قبل حصولهم في السوق ومعرفتهم بالأسعار ، فابتاعوا أمتعتهم وكذبوهم في أسعارها ، فلا خيار لأرباب الأمتعة في الفسخ : لأنهم قد كانوا قادرين على تعرف الأسعار من غيرهم ، ولأن أهل البلد قد شاهدوا حصول أمتعتهم ، فلو خرج قوم عن البلد لحاجة لهم ولم يقصدوا تلقي الركبان ، فوجدوا الركبان قد أقبلت بالأمتعة فأرادوا أن يبتاعوا منهم شيئا منها من غير كذب في إخبارهم بأسعارها ففي إباحة ذلك لهم وجهان :
أحدهما : أن ذلك مباح لهم . وهذا قول من زعم أن معنى النهي ما يلحق أرباب الأمتعة من الاسترخاص من أصحاب الركبان من الغبن .
والثاني : أنه لا يباح لهم ، وهذا قول من زعم أن علة النهي حصول الأمتعة أن ذلك محظور عليهم ، وهذا قول من زعم أن معنى النهي عن تلقيهم كثرة الأمتعة في البلد ليرخص على أهله ، والله أعلم .