[ ص: 388 ] باب
السلم
قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " أخبرنا
سفيان ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
عبد الله بن أبي كثير ، - أو
ابن كثير ، الشك من
المزني - عن
أبي المنهال ، عن
ابن عباس ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قدم المدينة وهم يسلفون في التمر السنة وربما قال السنتين والثلاث ، فقال صلى الله عليه وسلم : " من أسلف فليسلف في كيل معلوم ، ووزن معلوم ، وأجل معلوم " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح .
أما السلف والسلم فهما عبارتان عن معنى واحد ، فالسلف لغة عراقية ، والسلم لغة حجازية ، والدليل على جوازه ؛ الكتاب والسنة واتفاق الصحابة رضي الله عنهم .
قال الله تعالى :
ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه [ البقرة : 282 ] .
وروى
الشافعي ، عن
ابن عباس أنه قال : أشهد أن السلف المضمون إلى أجل مسمى قد أحله الله في كتابه ، وأذن الله فيه ثم قرأ
ياأيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه [ البقرة : 282 ] . فدل هذا النقل أن هذه الآية وردت في إباحة السلم ، ثم دل عليه من نفس الآية قوله في إثباتها :
إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم [ النساء : 29 ]
فليس عليكم جناح ألا تكتبوها [ البقرة : 282 ] وهذا في البيع الناجز ، فدل أن ما قبله من الموصوف غير الناجز .
ثم يدل عليه من السنة ما قدمه
الشافعي ، عن
ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923202 " من أسلم فليسلم في كيل معلوم ، ووزن معلوم ، وأجل معلوم " . وروى
أبو داود هذا الحديث بإسناده عن
ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : وإلى أجل معلوم . قال
الشافعي :
[ ص: 389 ] وأخبرني من أصدقه ، عن
سفيان ، أنه قال في الأجل : وإلى أجل معلوم . وقد حفظته عن
سفيان مرارا كما وصفته .
وروى
شعبة ، عن
أبي المجالد قال : اختلف
عبد الله بن شداد وأبو بردة في السلف ، فبعثوني إلى
ابن أبي أوفى فسألته فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923203كنا نسلف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر في الحنطة والشعير إلى قوم ما هو عندهم .
وروى
عطية بن سعد ، عن
أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923204 " من أسلف في شيء فلا يصرفه إلى غيره .
وروى
جامع بن شداد ، عن
طارق المجازي قال : كنت في رفقة فنزلنا قرب
المدينة ، فكان معنا ناقة حمراء ، فخرج إلينا رجل عليه ثوبان فقال : تبيعون الناقة ؟ قلنا : نعم . قال : بكم ؟ فقلنا : بكذا وكذا وسقا من تمر . فأخذ الناقة ولم يتربص ، فلما أخذها وتوارى بين جدران
المدينة ، قال بعضنا لبعض : أتعرفون الرجل ؟ فقال بعضنا : أما وجهه بوجه غدار ، فلما كان وقت العصر جاءنا رجل ، فقال :
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تأكلوا حتى تشبعوا ، وأن تكتالوا حتى تستوفوا ، قال : فأكلنا حتى شبعنا ، واكتلنا حتى استوفينا . فموضع الدلالة منه أنه ابتاع الناقة بثمن موصوف في الذمة .
فدل على أمرين :
أحدهما : جواز السلم في الأصل .
والثاني : جوازه حالا .
فقد اختلف أصحابنا في
عقد السلم بلفظ البيع كقول : بعتك هذا الدينار بقفيز حنطة موصوفة في الذمة ، هل يكون بيعا أو سلما ؟ فقال بعضهم : يكون سلما بلفظ البيع : لأن السلم صنف من البيوع ، فعلى هذا لا يصح أن يفترقا قبل قبض الدينار ، ويصح الاستدلال على جواز السلم بهذا الحديث . وقال آخرون من أصحابنا : يكون بيعا : لأن السلم اسم هو أخص ، فعلى هذا يجوز أن يفترقا قبل قبض الدينار ، ولا يصح الاستدلال بهذا الحديث على جواز السلم . ثم يدل على جواز السلم من طريق المعنى أن عقد البيع يجمع ثمنا ومثمنا ، فلما تنوع الثمن نوعين معينا وموصوفا وجب أن يتنوع المثمن نوعين معينا وموصوفا ، فالمعين البيوع
[ ص: 390 ] الناجزة ، والموصوف السلم في الذمة ، فدل على ما ذكرنا من النص والاستدلال والمعنى على جواز السلم .
فأما الإجماع فقد انعقد من الصحابة بما روينا من حديث
ابن أبي أوفى ، ولم يخالف بعدهم إلا
ابن المسيب ، فقد حكيت عنه حكاية شاذة أنه أبطل السلم ، ومنع منه وهو إن صحت الحكاية عنه فمحجوج بإجماع من تقدموا مع ما ذكرنا من النصوص الدالة والمعنى الموجب .