مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو كان ربها أذن له في وطئها وكان يجهل درئ عنه الحد ولحق به الولد وكان حرا وعليه قيمته يوم سقط ، وفي المهر قولان أحدهما أن عليه الغرم ، والآخر لا غرم عليه لأنه أباحها له " .
قال
الماوردي : قد مضى الكلام في وطء المرتهن بغير إذن الراهن ، فأما إذا وطئ بإذن الراهن فالإذن غير مبيح له الوطء : لأن الوطء لا يستباح إلا بملك أو نكاح .
فإذا كان كذلك فعلى الراهن الآذن التعزير لإقدامه على إباحة المحرمات ، وأما المرتهن الواطئ فلا يخلو حاله من أحد أمرين : إما أن يكون عالما بالتحريم ، أو جاهلا به .
وشبهته في الجهالة بتحريمه مع إذن الراهن أقوى من شبهته بغير إذنه ، فإن كان عالما بالتحريم فعلى ما مضى من وجوب الحد ، وانتفاء النسب واسترقاق الولد .
وإن كان جاهلا بالتحريم سقط عنه الحد ، ولحق به الولد ، وكان حرا .
وأما المهر فإذا قلنا : أنه لا يجب عليه في المسألة الأولى إذا وطئ بغير إذن الراهن ففي هذه المسألة أولى ألا يجب وهو أن تطاوعه الجارية عالمة بالتحريم ، فلا مهر على مذهب
الشافعي لوجوب الحد على الموطوءة .
[ ص: 66 ] فإذا قلنا : إن
المهر يجب إذا وطئ بغير إذن الراهن وهو أن تكون جاهلة بالتحريم ، أو مكرهة مع علمها بالتحريم ففي وجوبه عليها إذا وطئ بإذن الراهن قولان :
أحدهما : لا مهر عليه : لأن الوطء يتعلق به حقان :
أحدهما : لله تعالى وهو الحد .
والثاني : للآدمي وهو المهر .
كما أن القتل يتعلق به حقان :
أحدهما : لله تعالى وهو الكفارة .
والثاني : للآدمي وهو الدية .
ثم ثبت أنه لو أذن له في قتلها سقط عنه حقه من قيمتها دون حق الله تعالى من الكفارة ، فكذلك إذا أذن له في وطئها سقط عنه حقه من مهرها دون حق الله تعالى من الحد .
والقول الثاني : عليه المهر : لأن هذا الوطأ موجب للمهر .
كما أن
الوطأ في النكاح الفاسد موجب للمهر ، ثم ثبت أنه
لو وطئ في النكاح الفاسد بإذن الموطوءة لم يسقط عنه المهر ، كذلك إذا وطئ بإذن الراهن لم يسقط عنه المهر .
وأما قيمة الولد ، إذا لحق به وصار حرا ، فمن أصحابنا من قال في وجوب قيمته قولان كالمهر ، وهو قول
أبي علي بن أبي هريرة .
ومن أصحابنا من قال : عليه قيمة الولد قولا واحدا وهو قول أكثرهم والفرق بين الولد والمهر من وجهين :
أحدهما : أن الوطأ مأذون فيه فسقط غرم بدله ، والإيلاء غير مأذون فيه فلم يسقط غرم بدله .
والثاني : أن الوطأ استهلاك غير موجود فجاز أن يسقط غرمه عنه ، والولد اكتساب موجود فوجب عليه غرمه .
فأما غرم ما نقص من قيمتها بالولادة فإن لحق به الولد فعليه غرمه لا يختلف وإن لم يلحق به الولد ففي وجوب غرمه قولان وكذلك لو مات .
أحدهما : عليه غرمه : لأنه بسبب منه .
والثاني : ليس عليه غرمه لعدم لحوق الولد به .
[ ص: 67 ] وهذان القولان من اختلاف قوليه فيمن زنا بأمة فأحبلها وماتت في ولادتها هل يلزمه غرم قيمتها أم لا ؟