مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو رهنه عصيرا حلوا كان جائزا فإن حال إلى أن يصير خلا أو مرا أو شيئا لا يسكر كثيره فالرهن بحاله فإن حال العصير إلى أن يسكر فالرهن مفسوخ لأنه صار حراما لا يحل بيعه كما لو رهنه عبدا فمات العبد " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
رهن العصير الحلو جائز لأن بيعه جائز ، فإذا ثبت أن رهنه جائز فلا يخلو حاله من أحد أمرين :
[ ص: 109 ] إما أن يبقى على حاله عصيرا حلوا ، أو ينقلب عن كونه عصيرا حلوا ، فإن بقي على حاله عصيرا بيع في الحق عند حلوله ، وكان حكمه في الرهن كحكم غيره .
وإن انقلب عن كونه عصيرا حلوا فعلى ضربين :
أحدهما : ينقلب إلى مال فيصير خلا أو مزا أو مزيا أو ما لا يسكر فهو رهن بحاله ، لأن
انقلاب الرهن من مال إلى مال لا يقدح في صحة الرهن
كالعبد المرهون إذا قتل وجب على القاتل قيمته وكانت رهنا مكانه ولا يبطل بالقتل لأنه انقلب الرهن من مال إلى مال .
كذلك العصير إذا انقلب خلا ، فإن قيل : فكيف يصير العصير مزيا ، قيل : قد روي ذلك في بعض النسخ ولم يرو في أكثرها ، والذي قاله
الشافعي في الأم وإن صار مزا وقد يصح أن يصير مزيا يكون ذلك من أحد وجهين : إما أن يكون عصير الشعير فيصح انقلابه مزيا أو يكون عصير العنب فيطرح فيه دقيق الشعير فينقلب مزيا .
فصل : والثاني : أن ينقلب العصير خمرا فيبطل الرهن ، لأن
انقلاب الرهن إلى غير مال يوجب بطلان الرهن كالعبد المرهون إذا مات وجب بطلان الرهن كذلك هاهنا : ولأن
حق الملك أوكد من حق الرهن فلما كان انقلابه خمرا يبطل الملك فأولى أن يبطل الرهن ، فإذا ثبت أن الرهن فيه قد بطل بانقلابه خمرا فمذهب
الشافعي أن رهنه بطل في الحال التي صار فيها خمرا ، وقد كان العقد وقع عليه صحيحا .
وقال
أبو علي بن خيران : إن انقلابه خمرا يدل على أن العقد وقع عليه باطلا : لأن ظهوره في الزمان الثاني دليل على ابتدائه بالقدح في الزمان الأول .
وهذا الذي قاله غلط : لأن
رهن العصير جائز وبعد انقلابه خمرا باطل ، كما أن
رهن العبد جائز وبعد موته باطل ولا يوجب بطلانه الإذن بالموت بطلانه وقت عقده كذلك هاهنا .
ولو كان ما قاله
ابن خيران من أن ظهوره في الزمان الثاني دليل على ابتدائه في الزمان الأول في إبطال الرهن لوجب إذا بيع العصير فانقلب خمرا في يد المشتري أن يبطل البيع ويوجب استرجاع الثمن وما أحد يقول بهذا فدل على فساده .
فصل : وفائدة هذا الخلاف شيئان :
أحدهما : أن الخمر إذا عاد بنفسه فعلى قول
الشافعي يعود إلى الرهن لصحة العقد عليه ، وعلى قول
ابن خيران يعود إلى الرهن لفساد العقد عليه .
والثاني : أنه
إن كان رهنه مشروطا في بيع لم يبطل البيع على قول
الشافعي ولم يكن
[ ص: 110 ] للمرتهن في فسخه خيار لصحة رهنه وقت العقد وحدوث فساده كموت العبد وعلى قول
ابن خيران في بطلان البيع قولان :
أحدهما : باطل .
والثاني : جائز وله الخيار كما لو كان خمرا وقت العقد .