مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو كان الشرط للعدل جاز بيعه ما لم يفسخا أو أحدهما وكالته " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال .
إذا شرط في عقد الرهن أن يكون موضوعا على يدي عدل وشرطا للعدل أن يبيعه عند محل الحق ، فهذا العقد قد تضمن شرطين :
أحدهما : وضع الرهن على يدي عدل .
والشرط الثاني : توكيل العدل في بيعه عند محل العقد ، فهذان الشرطان جائزان إلا أن الشرط الأول وهو وضع الرهن على يدي عدل يلزم بالعقد ويتم بالقبض .
وأما الشرط الثاني وهو
توكيل العدل في بيعه عند محل الحق فلا يتم بالعقد لأنه اشتراط توكيل فيما بعد ، فإذا سلما الرهن إلى العدل ووكلاه في بيعه عند محل الحق فقد تم الشرطان جميعا ويكون الأول منهما لازما والثاني منهما جائزا لأن الوكالة جائزة وليست لازمة .
فإن قيل فهذه وكالة معقودة بصفة وهي محل الحق والعقود لا يصح أن تعلق بالصفات قيل الوكالة منجزة غير معلقة بصفة وإنما جعل التصرف فيها معلقا بصفة وهذا جائز .
ألا ترى لو أنه وكل رجلا في بيع متاعه وأذن له في بيعه عند مجيء الحاج أو عند استهلال الشهر جاز : لأن عقد الوكالة منجز والإذن بالتصرف معلق بالصفة ، فصح كذلك توكيل العدل في بيع الرهن .
ولكن لو قالا للعدل قد وكلناك في بيعه عند محل الحق وجعلا الصفة شرطا في عقد الوكالة لم يصح : لأنه عقد معلق بصفة .
فصل : فإذا ثبت صحة الوكالة بما ذكرنا ، فلا يخلو حال الراهن والمرتهن من أربعة أحوال :
أحدها : أن يقيما على الوكالة إلى حلول الحق ، فللعدل أن يبيع الرهن من غير استئذانهما ما لم يكن منهما منع لصحة وكالته في البيع فلم يلزمه استئذانهما عند البيع كسائر الوكلاء .
[ ص: 133 ] والحال الثانية : أن يرجعا جميعا عن وكالته قبل البيع فلا يجوز للعدل أن يبيع بعد رجوعهما لبطلان وكالته منهما .
والحال الثالثة : أن يرجع الراهن دون المرتهن فقد انفسخت وكالته برجوع الراهن وليس له البيع .
وحكي عن
أبي حنيفة أن
وكالة العدل لا تنفسخ برجوع الراهن وهذا غير صحيح : لأن وكالته صحت بهما فصار وكيلا لهما ، ومن كان وكيلا لنفسين بطلت وكالته برجوع أحدهما كالشريكين .
والحال الرابعة : أن يرجع المرتهن دون الراهن فالذي عليه جمهور أصحابنا وهو قول
البصريين كافة : أن وكالته قد انفسخت لما ذكرنا من التعليل وهو ظاهر نص
الشافعي .
وحكي عن
أبي إسحاق المروزي أن
الوكالة لا تنفسخ برجوع المرتهن وإنما يمنع العدل من البيع برجوع المرتهن من غير أن تنفسخ وكالته .
قال : لأنه وكيل للراهن ومأذون له من جهة المرتهن فلا يكون رجوع المرتهن في إذنه بقادح في صحة وكالته .
وهذا قول لا يتحصل لأن بعضه ينقض بعضا ، لأن الوكالة إنما هي إذن بالبيع فإذا منعه برجوع المرتهن عن البيع ، فقد زال موجب الوكالة وهذا صريح الفسخ إلا أن وكالة الراهن لا تنفسخ برجوع المرتهن ، كما لا تنفسخ
وكالة المرتهن برجوع الراهن .
فلو ماتا أو أحدهما كان كما لو رجعا أو أحدهما لأن الوكالة تبطل بالموت كما تبطل بالرجوع فلو وكلا رجلين ثم أبطلا وكالة أحدهما لم يكن للثاني منهما البيع إلا بإذنهما أو يوكلا معه من يقوم مقام الميت .