فصل : الجواب عن استدلال الأحناف
وأما الجواب عما استدل به
أبو حنيفة من الخبر فهو أنه نص في النهي عن
البول في الماء الدائم وليس فيه دليل على نجاسته به .
فإن قيل : لو لم يكن ذلك مفضيا إلى تنجيسه ، لم يكن للنهي فائدة .
قلنا : التماس فائدة النهي اعتراف بأن لا دليل في ظاهره على فائدة النهي ، الخوف من تغيير الماء بكثرة البول فيصير بالتغيير نجسا .
وأما الجواب عن نزح
ابن عباس زمزم من زنجي مات فيها فمن وجوه ذكرها
الشافعي :
أحدها : أنه قال إن
زمزم عندنا
بمكة ونحن أعرف بأحوالها ، ولا يعرف أحد من علماء
مكة أن
ابن عباس نزحها ، وقد حكي عن
سفيان أن
ابن الزبير نزحها فغلبه الماء لكثرته .
والجواب الثاني : أنه يجوز ، لو صح الحديث أن يكون نزحها لظهور دم الزنجي فيها .
والجواب الثالث : أن يكون نزحها تنظيفا لا واجبا ، ألا ترى إلى ما روي عنه أنه قال :
أربعة لا تنجس ، الماء والثوب والأرض وابن آدم .
[ ص: 333 ] فإن قيل : فما معنى قوله : لا تنجس " ، قيل : يعني أن أعيانها لا تنقلب فتصير نجسة .
فإن قيل : فلم خص هذه الأربعة بهذا الحكم ، قيل : إنما خصها بالذكر لاختصاصها بالصلاة وإن كان غيرها في حكمها : لأن صحة الصلاة معتبرة بطهارة الماء والثوب والأرض والبدن .
وأما الجواب عن قياسهم على سائر المائعات فمن وجهين :
أحدهما : أن المائعات لا تبلغ حدا لا يمكن حفظه بالأوعية ، ولا يتعذر صونه عن النجاسة ، فنجس بحلول النجاسة فيه : لإمكان صونها منه ، وليس كذلك الماء .
والثاني : أن الحاجة تدعو إلى استعمال الماء في ما دون القلتين فالمعتبر فيه إمكان حفظه من حلول النجاسة فيه ، وليس كذلك ما زاد عليه .
وأما الجواب عن قياسهم على الطهارة والتنظيف ما لا يدعو إلى استعمال المائعات فيخفف حكم الماء : لكثرة استعماله وتغلظ حكم غيره لقلة استعماله . وأما الجواب عن استدلالهم بتغليب الحظر على الإباحة فهو أنه منتقض بما لم يلتق طرفاه من الماء وبالثوب إذا كان عليه يسير من دم البراغيث ثم المعنى فيما استشهدوا به من الأصول أن الشرع لم يأت بالعفو عن يسيره وقد جاء بالعفو عن يسير النجاسة والله أعلم .