مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو مات في يديه وقد دلس له فيه بعيب قبل أن يختار فسخ البيع لم يكن له أن يختار لما فات من الرهن " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال ، إذا
دلس الراهن على المرتهن حتى خفي عليه ، ثم علم المرتهن به فلا يخلو حال الرهن بعد علم المرتهن بعيبه من أحد أمرين ، إما أن يكون باقيا أو تالفا ، فإن كان باقيا فللمرتهن فسخ الرهن والبيع ، لأجل ما ظهر عليه من العيب ، كما لو ظهر فيما ابتاعه عيب .
وإذا بذل له الراهن أرش العيب ليزول عنه الضرر فيمتنع من الفسخ لم يلزم
[ ص: 186 ] المرتهن قبول الأرش ، وكان له فسخ الرهن والبيع لاستحقاقه بوجود العيب كالمشتري الذي يستحق رد ما ابتاعه لوجود العيب .
وإن بذل له الأرش ، فلو لم يعلم المرتهن بالعيب حتى حدث عنده بالرهن عيب آخر كان له فسخ الرهن والبيع ، بخلاف المشتري الذي ليس له الرد بالعيب إذا حدث عنده عيب آخر ، والفرق بينهما : أن عيب المبيع إذا حدث في يد المشتري من ضمانه ، فلم يكن له أن يرده بعد حدوث عيبه ، وليس عيب الرهن إذا حدث في يد المرتهن من ضمانه ، وكان له رده بعد حدوث عيبه .
فلو
لم يعلم المرتهن بالعيب حتى ارتفع في يده كان في خياره في فسخ البيع وجهان :
أحدهما : له الخيار اعتبارا بوجوبه في الابتداء .
والثاني : لا خيار له ، اعتبارا بسقوطه في الانتهاء .
فصل : وإذا كان الرهن تالفا قبل علم المرتهن بعيبه ، كعبد مات في يده ، أو ثوب سرق من حرزه ، ثم علم حينئذ بعيبه فلا خيار له في فسخ البيع لفوات رده ولا رجوع له بأرشه ، فإن قيل : أليس للمشتري الرجوع بأرشه عند فوات رده ؟ فهلا كان للمرتهن الرجوع بأرشه عند فوات رده ؟ قيل الفرق بينهما من ثلاثة أوجه :
أحدها : أن البائع لما أجبر على تسليم المبيع سليما أجبر على تسليم أرشه معيبا ، ولما لم يجبر الراهن على تسليم الرهن سليما ، لم يجبر على تسليم أرشه معيبا .
والثاني : أنه لما وجب على البائع رد الثمن عند تعذر تسليم المبيع وجب عليه رد الأرش عند تعذر رد المبيع ، ولما لم يجب على الراهن دفع الحق عند تعذر تسليم الرهن لم يجب عليه رد الأرش لفوات رد الرهن .
والثالث : أنه لما كان في منع المشتري من الأرش تفويت لحقه كان له الرجوع به ، ولما لم يكن في منع المرتهن من الأرش تفويت لحقه ، لأن حقه موثق في ذمة راهنه لم يكن له الرجوع به .
فصل : وإذا
ارتهن عبدين فقبض أحدهما فمات في يده ومات الآخر في يد راهنه أو مات في يده ، لم يكن للمرتهن رد البيع لفوات رد ما تلف بيده .
فصل : إذا
ارتهن عبدا فقتل في يد مرتهنه ، ثم علم المرتهن بعيب كان به ، فإن كان قتله قد أوجب مالا ، ترك مكانه رهنا ، وللمرتهن فسخ البيع : لأنه وإن فات رد العبد بعينه
[ ص: 187 ] فقد رد ما قام مقامه من قيمته ، وإن كان قد أوجب قصاصا اقتص له من قاتله ، وليس للمرتهن فسخ البيع لأنه وإن كان في اقتصاص سيده واسترجاع بدله لما لم يكن له الفسخ مع خروجه بالقتل والقصاص من يده ، فأولى ألا يكون له الفسخ إذا علم بعيبه .
فصل : فلو
بيع الرهن في حق المرتهن ، ثم علم المرتهن بتقدم عيبه ليس للمرتهن فسخ البيع وإن كان الثمن باقيا ، فإن قيل : فهلا كان له فسخ البيع ورد الثمن ، لأن الثمن بدل يقوم مقامه كالمجني عليه إذا أخذت قيمته ، ثم علم المرتهن بعيبه تكون القيمة المأخوذة قائمة مقام رده بعيبه ، وله فسخ البيع .
قيل : الفرق بين المبيع والمجني عليه أن المبيع قد عاوض عليه سليما ، ولم يكن نقص العيب مؤثرا إذا لم يظهر عيبه إلا بعد نفوذ بيعه كالمشتري إذا باع ثم ظهر على عيب له لم يكن له فسخ ولا أرش ، وليس المجني عليه كذلك لأن المأخوذ فيه قيمته التي كان يساويها وقت الجناية مع نقصه بالعيب فافترقا .
فلو أن مشتري الرهن ظهر على عيبه فرده به ، وطالب برد ثمنه نظر ، فإن استرجع الثمن من يد المرتهن أو من يد العدل الموضوع على يده الرهن ، فللمرتهن فسخ البيع ، لأن الرهن قد عاد إلى حكمه قبل البيع .
وإن كان المشتري قد رجع على الراهن بالثمن ولم يسترجعه من يد المرتهن فليس للمرتهن فسخ البيع لسلامة الثمن له وارتفاع ضرر النقص عنه ، والله أعلم .