فصل : فإذا ثبت أن
حكم ماء البئر فيما ينجس به ولا ينجس كحكم غيره من المياه الراكدة . فلا يخلو حال [
البئر إذا وقعت فيها النجاسة مائعة أو قائمة من أن يكون ماؤها قليلا أو كثيرا ، فإن كان ماؤها قليلا فهو نجس سواء تغير بالنجاسة أو لم يتغير لكنه إذا كان متغيرا فطهارته بالاجتماع ، ومغير أحدهما المكاثرة بالماء حتى يبلغ قلتين ، والثاني زوال التغيير ، وإن كان غير متغير فطهارته بوصف واحد وهو المكاثرة حتى يبلغ قلتين ، فإن صب عليه الماء فلا يخلو حال ] الماء الوارد من أن يكون أكثر من المورود عليه أو أقل فإذا كان أقل فالكل نجس : لأن الوارد لقلته صار مستهلكا في المورود عليه لكثرته ، وإن كان أكثر فهو في حكم الماء المستعمل في إزالة النجاسة ، فعلى مذهب
الشافعي يكون طاهرا غير مطهر ، وعلى مذهب
الأنماطي يكون نجسا وإن كان ماء البئر كثيرا قلتين فصاعدا فلا يخلو إما أن يكون متغيرا أو غير متغير ، فإن كان غير متغير فهو طاهر ، والكلام في استعماله على ما مضى من كون النجاسة قائمة أو مائعة ، وإن كان متغيرا فهو نجس ، وطهارته معتبرة بزوال تغييره ولزوال تغييره ثلاثة أحوال :
أحدها :
أن يزول بنفسه لطول المكث وتقادم العهد فيعود إلى حال الطهارة .
والثاني :
أن يزول تغييره بالمكاثرة بالماء فيكون طاهرا سواء كان الوارد عليه قليلا أو كثيرا .
والثالث : أن يزول تغييره بإلقاء شيء فيه لا يخلو حال الشيء الملقى من أن يكون ترابا أو غير تراب ، فإن كان غير تراب ، كالطيب وما جرى مجراه من ذي رائحة غالبة فالماء على نجاسته لأننا لم نتيقن زوال التغير ، وإنما غلب عليها ما هو أقوى رائحة منها فخفيت معه ، وإن كان ترابا ففي طهارته قولان حكاهما
المزني في جامعه الكبير :
أحدهما : لا يطهر قياسا على زوال التغير بالطيب .
والقول الثاني : أنه لا يطهر : لأن التراب لا ينفك من الماء غالبا ، وهو قرار له ، فقد يتغير الماء مع كونه فيه فإذا زال التغير لحصول التراب فيه دل على استهلاك النجاسة بزوال تغييرها ، وأن التراب قد جذبها إلى نفسه حتى لم يبق في الماء شيء منها .