مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإن كان لا يستغني عن السقي قيل للغرماء : إن تطوعتم بأن تنفقوا عليه حتى يستحصد الزرع فتأخذوا نفقتكم مع مالكم بأن يرضاه صاحب الزرع ، وإن لم تشاءوا وشئتم البيع فبيعوه بحاله " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، إذا
اتفق المفلس والغرماء على ترك الزرع إلى وقت الحصاد وكان الزرع يحتاج إلى سقي ومؤنة ، فإن لم توجد النفقة - ولا وجد من يبذلها - فلا معنى لاستيفاء الزرع مع حاجته إلى السقي المعوز لما فيه من تلفه على المفلس والغرماء ، وإن وجد من يبذل لهم نفقة بعض السقي ومئونة الزرع إلى وقت الحصاد أنفق وكان الزرع مقرا ، ثم لا يخلو حال المنفق من أحد أمرين :
إما أن ينفق بأمر أو بغير أمر ، فإن أنفق بغير أمر كان متطوعا بما أنفق ولم يرجع بشيء منه ، وإن أنفق بأمر فللآمر أربعة أحوال :
أحدها : أن يكون الحاكم .
والثاني : أن يكون المفلس .
والثالث : أن يكون الغرماء .
والرابع : أن يكون المفلس والغرماء ، فإن كان المنفق قد أنفق بأمر الحاكم فله الرجوع
[ ص: 299 ] بما أنفق في مال المفلس مقدما به على سائر الغرماء ؛ لأن أمر الحاكم حكم منه يلزم إمضاؤه ، وإن كان قد أنفق بأمر المفلس وحده فذلك دين في ذمته لا يشارك الغرماء به ، ويكون كالديون التي استحدثها بعد وقوع الحجر عليه ، وإن كان قد أنفق بأمر الغرماء فذلك على الغرماء الآمرين له دون المفلس ، وإن كان قد أنفق بأمر الغرماء والمفلس رجع به على المفلس لما فيه من مستزاد ماله ، وهل تتقدم نفقته على جميعهم أو يكون بها أسوة الغرماء ؟ على وجهين :
أحدهما : - وهو ظاهر نصه - أنه يكون أسوة الغرماء بنفقته ولا يتقدم بها عليهم ، لأنه قد كان لو أراد تعجيل قلعه استغنى عن سقيه .
والوجه الثاني : أنه يتقدم بما أنفق على سائر الغرماء ؛ لأنه حق ثبت بعد الحجر فيما فيه صلاح ماله فأشبه أجرة المنادي .