مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " وإن أقام شاهدا على رجل بحق ولم يحلف مع شاهده فليس للغرماء أن يحلفوا ليس لهم إلا ما تم ملكه عليه دونهم " .
قال
الماوردي : وصورتها في
مفلس ادعى على رجل مالا وأقام على دعواه شاهدا ، فإن حلف مع شاهده وجب له المال ، وإن نكل وأجاب الغرماء إلى اليمين مع شاهده لعلمهم بصدقه وأن المال صائر إليهم ففيه قولان ، وهكذا
لو ادعى المفلس مالا ليس له به شاهد [ ص: 329 ] وأنكر المدعى عليه ولم يحلف وردت اليمين على المفلس فنكل وأراد الغرماء أن يحلفوا ففيه قولان ، فالجواب في المسألتين واحد ، وفي جواز إحلاف الغرماء فيها قولان :
أحد القولين : وهو القديم يجوز لهم أن يحلفوا لأمرين :
أحدهما : أن مال المفلس صائر إليهم كما يصير مال الميت إلى ورثته ، فلما جاز للورثة أن يحلفوا على مال الميت جاز للغرماء أن يحلفوا على مال المفلس .
والثاني : أن
حق الغرماء في مال المفلس أثبت من حق الوكيل في مال الموكل ، فلما جاز للوكيل أن يحلف في إثبات ملك الموكل إذا اختلف الوكيل والبائع في ثمن المبيع وليس يثبت لهم حق في مال الموكل ، فأولى أن يجوز
إحلاف الغرماء لثبوت حقوقهم في مال المفلس .
والقول الثاني : وهو قوله الجديد أنه لا يجوز لهم أن يحلفوا لأمرين :
أحدهما : أن المال يملكه المفلس ، ألا ترى أنه لو تلف كان تالفا في حقه ؟ ولا يجوز أن يملك أحد مالا بيمين غيره ؛ لأنها تكون نيابة في الأيمان ، والنيابة في اليمين لا تصح ، كما لا يجوز أن ينوب عنه غير الغرماء ، وليس تعلق حقوق الغرماء بماله دليلا على جواز يمينهم عنه ، ألا ترى أن مستأجر الدار لو غصب منه لم يجز أن يحلف على الغاصب أنه غصبها منه وإن تعلق حقه بها ، ومرتهن الرهن لو غصب منه لم يجز أن يحلف عليه وإن تعلق حق استيفائه به .
والثاني : أن اليمين في إثبات دعوى المفلس كاليمين في نفي الدعوى عنه ، فلما لم يجز للغرماء أن يحلفوا في نفي ما ادعى عليه إذا أنكر ونكل لم يجز أن يحلفوا في إثبات ما ادعاه إذا صارت اليمين له فنكل ، ألا ترى أن الورثة لما جاز لهم أن يحلفوا في إثبات الدعوى للميت جاز أن يحلفوا في نفي الدعوى عنه ، وهذا توجيه وانفصال .