فصل : فأما
الإنبات فقد منع
أبو حنيفة أن يكون له بالبلوغ تعلق لقوله صلى الله عليه وسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=923275رفع القلم عن ثلاثة " وذكر من ذلك الصبي حتى يحتلم ، فجعل الاحتلام حدا لبلوغه ، ولأنه لما لم يكن إنبات شعر الوجه بلوغا فأولى ألا يكون إنبات شعر العانة بلوغا .
والدلالة على أنه يكون بلوغا أن سبي
بني قريظة نزلوا من حصونهم على حكم
سعد ابن معاذ الأشهلي رضي الله عنه ، فقال
سعد : حكمي فيهم أن من جرت عليه الموسى قتل ، ومن لم تجر عليه استرق ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
هذا حكم الله من فوق سبعة أرقعة لأن السماء رقع ، ولأن شعر العانة والإنزال يختصان بعضو يحدثان عند وقت البلوغ بالإنزال شرعا وجب أن يتعلق بالإنبات شرعا .
وتحريره قياسا أنه أحد نوعي ما يتعلق به البلوغ عرفا ، فوجب أن يتعلق به البلوغ شرعا كالإنزال ، وبهذا المعنى من الاستدلال فرقنا بين شعر الوجه وبين شعر العانة .
فأما الخبر فليس في ظاهره مع ما ذكرنا من النص والاستدلال حجة .
فإذا تقرر ما ذكرنا وأن الإنبات يتعلق به البلوغ في المشركين فهل يكون بلوغا فيهم أو دلالة على بلوغهم ؟ فيه قولان :
أحدهما : أنه يكون بلوغا فيهم كالإنزال ، فعلى هذا يكون بلوغا في المسلم أيضا .
والقول الثاني : أن يكون دلالة على بلوغهم ، لأن
سعدا جعله دليلا عند تعذر العلم بسنهم .
[ ص: 344 ] فعلى هذا هل هو دلالة على بلوغ المسلمين أم لا ؟ على قولين :
أحدهما : أنه يكون دلالة على بلوغ المسلمين ، لأن ما تعلق به البلوغ لا فرق فيه بين المسلمين والمشركين .
والقول الثاني : أنه لا يكون دلالة على بلوغ المسلمين وإن كان دلالة على بلوغ المشركين ، والفرق بينهما من وجهين :
أحدهما : أن
المشرك تغلظ أحكامه ببلوغه كوجوب قتله وأخذ جزيته ، فانتفت عنه التهمة في معالجة الإنبات .
والمسلم تخفف أحكامه ببلوغه في فك حجره وثبوت ولايته وقبول شهادته فصار متهما في معالجة الإنبات .
والثاني : أن الضرورة دعت إلى جعل الإنبات بلوغا في المشرك لأن سنه لا يعلم إلا بخبره ، وخبر المشرك لا يقبل .
ولم تدع الضرورة إلى ذلك في المسلم ، لأن خبره في سنه مقبول ، ثم لا
اعتبار في الإنبات إلا أن يكون شعرا قويا ، فأما إن كان زغبا فلا ، فلو أن غلاما من المسلمين نبت الشعر على عانته فشهد له عدلان من المسلمين أنه لم يستكمل خمس عشرة سنة فيكون بلوغه على القولين ، إن قيل : إن الإنبات يكون بلوغا حكم ببلوغه وإن كان سنه أقل من خمس عشرة سنة ، وإن قيل : إن الإنبات دلالة على البلوغ لم يحكم ببلوغه إذا علم نقصان سنه ، وهذه فائدة القولين ، والله أعلم .