مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " فما جاز في البيع جاز في الصلح ، وما بطل فيه بطل في الصلح " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، وجملة الصلح ضربان : معاوضة ، وحطيطة .
فأما
المعاوضة : فهو أن يصالح على حقه من غير جنسه ، مثل أن يصالح على دراهم بدنانير ، أو دنانير بدراهم ، فهذا بيع يجري عليه حكم ، فإن كان مما يدخله الربا كالصلح على الدراهم بالدنانير أو على البر بالشعير لزم فيه القبض قبل الافتراق ودخله خيار المجلس دون خيار الشرط .
وإن كان مما لا ربا فيه جاز فيه الافتراق قبل القبض وثبت فيه خيار المجلس وخيار الثلاث ، وصح فيه دخول الأجل وأخذ الرهن فيه ، فيعتبر في صحته وفساده ما يعتبر في صحة البيع وفساده وهو الذي بدأ به
الشافعي .
وأما
الحطيطة فهو أن يصالحه من حقه على بعضه وذلك ضربان :
أحدهما : أن يكون الحق في الذمة .
والثاني : أن يكون عينا قائمة .
فإن كان الحق في الذمة فصورته أن يدعي عليه مائة دينار فيعترف بها فيصالحه منها على خمسين دينارا فهذا يكون إبراء .
فإن حط الباقي بعد الخمسين بلفظ الإبراء فقال : قد صالحتك على خمسين دينارا وأبرأتك من الباقي صح ، إلا أن يخرج الإبراء مخرج الشرط فيقول : إن أعطيتني خمسين دينارا فقد أبرأتك من الباقي ، أو يقول : قد أبرأتك من خمسين دينارا إن دفعت إلي خمسين دينارا ، فلا يصح هذا الإبراء .
[ ص: 368 ] وكذلك لو قال : إن أقررت لي بحقي فقد أبرأتك من خمسين دينارا فأقر لم يبرأ من شيء ، لأن تعليق البراءة بشرط لا يصح .
فإن حط الباقي بغير لفظ الإبراء فقال : قد صالحتك من المائة على خمسين ففيه وجهان :
أحدهما وهو قياس قول
أبي إسحاق المروزي : لا يصح .
والثاني وهو قياس قول
أبي الطيب بن سلمة : يصح .
وتوجيه هذين القولين مبني على ما نذكره عنهما فيما بعد .
وإن كان الحق عينا قائمة فصورته : أن يدعي دارا في يد رجل فيعترف له بها ويصالحه منها على نصفها فهذا يكون هبة .
فإن فعل ذلك بلفظ الهبة فقال بعد أن أقر له بالدار : قد وهبت لك نصفها صح واعتبر فيه ما يعتبر في صحة الهبة من القبول ومرور زمان القبض ، وهل يحتاج إلى إذنه في القبض ؟ على قولين :
وإن لم يذكره بلفظ الهبة ، بل قال : صالحتك من هذه الدار على نصفها ففيه وجهان :
أحدهما وهو نص قول
أبي إسحاق المروزي : أنه لا يجوز ؛ لأنه مالك لجميع الدار ، فلم يجز أن يصالحه على بعضها ، كما لا يجوز فيما نص عليه
الشافعي أن يصالحه على سكناها .
والوجه الثاني وهو قول
أبي الطيب بن سلمة : أنه يجوز ؛ لأنه لما جاز أن يصالحه على ما في الذمة على بعضه جاز أن يصالحه عن الأعيان على بعضها ، ومن هذين يخرج الوجهان الأولان ، وكل ذلك بناء على اختلاف المذهبين في الصلح هل هو فرع لغيره أو أصل بذاته .