مسألة : قال
الشافعي رضي الله عنه : " ولو
مسح في الحضر ثم سافر أتم مسح مقيم ولو
مسح مسافرا ثم أقام مسح مسح مقيم " .
[ ص: 359 ] قال
الماوردي : أما إذا ابتدأ بالمسح مسافرا ثم أقام مسح مسح مقيم يوما وليلة باتفاق في الحكم ، وإن كان مع اختلاف في العلة ،
فالشافعي يجعل العلة فيه أن الإقامة أغلظ حاليه ،
وأبو حنيفة يجعل العلة فيه أن الإقامة نهاية حاليه ، فأما إذا ابتدأ بالمسح مقيما ثم سافر فقد اختلفوا لاختلافهم في ذلك ، فمال
الشافعي إلى أنه يمسح مسح مقيم : لأنه أغلظ حاليه ، وقال
أبو حنيفة يمسح مسح مسافر : لأنها نهاية حاليه ، وتعلقا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920911 " يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليهن " وهذا مسافر ، ولأنه ماسح جمع بين حضر وسفر ، فوجب أنه يعتبر حاله بانتهائها كالمسافر ، إذا أقام .
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم :
" يمسح المقيم يوما وليلة " وهذا قد كان مقيما فلزمه حكم الإقامة ، ولأنه ماسح جمع بين حضر وسفر فوجب أن يغلب حكم الحضر على حكم السفر ، كالمسافر إذا أقام ، ولأنها عبادة تختلف بالحضر والسفر ، فوجب إذا أنشأها في الحضر ثم سافر أن يغلب حكم الحضر كالصلاة إذا افتتحها مقيما ثم سافر ، وفيما ذكرنا من الدلائل انفصال عن دلائلهم .
فصل : فإذا تقرر ما ذكرنا فلا يخلو حال من جمع بين الحضر والسفر من أحد أمرين : إما أن يكون مقيما فيسافر أو يكون مسافرا فيقيم فأما الفصل الأول ، وهو أن يكون مقيما ثم يسافر فله أربعة أحوال :
أحدها : أن يسافر بعد لبس خفيه ، وقبل حدثه فله أن يمسح ثلاثا مسح مسافر لا يختلف المسح فيه ، لأن مجرد اللبس لا يتعلق به حكم .
والحال الثانية : أن يسافر بعد لبس خفيه ، وبعد حدثه ، وقبل مسحه فمذهب
الشافعي يمسح ثلاثا مسح مسافر ، وأول زمان مسحه من وقت حدثه في الحضر ، وقال
المزني يمسح يوما وليلة مسح مقيم ، لأن ابتداء مدة مسحه ، موجودة في الحضر والحدث كالمسح في اعتباره من زمان المسح ألا ترى لو أنه مر عليه بعد حدثه يوم وليلة ولم يمسح ، فقد انقضت المدة كما لو مسح ، وهذا الذي ذكره خطأ ، لما ذكرناه من أن صفة العبادة معتبرة بزمان الفعل ، لا بوقت العبادة كالصلاة في القصر والإتمام معتبرة بوقت فعله لا وقت وجوبها ، وكذا المسح ، وإذا كان ذلك كذلك فلا يخلو سفره بعد الحدث وقبل المسح من أن يكون قبل مضي وقت صلاة أو بعد مضي وقت صلاة ، فإن كان قبل مضي وقت صلاة
[ ص: 360 ] مسح ثلاثا مسح مسافر ، وإن كان بعد مضي وقت صلاة ففيه لأصحابنا وجهان : أحدهما : وهو محكي عن
أبي إسحاق أنه يمسح يوما وليلة مسح مقيم : لأن يقضي وقت الصلاة في الحضر في حكم فعلها في الحضر ، في وجوب الإتمام ، كذلك في المسح .
والوجه الثاني : وهو محكي عن
أبي علي بن أبي هريرة أنه يمسح ثلاثا مسح مسافر لأنه لم يبتدئ بالمسح إلا وهو مسافر .
والحال الثالثة : أن يسافر بعد أن مسح على خفيه فيمسح يوما وليلة مسح مقيم وقد مضى خلاف
أبي حنيفة فيها ، فلو كان قد أكمل مسح يوم وليلة في الحضر ، قبل سفره لم يكن له أن يمسح بعد في سفره شيئا لاستيفاء مسح الإقامة إلا أن يستأنف مسحا مبتدئا .
والحالة الرابعة : أن يسافر ويشك هل مسح قبل سفره أم لا فينبغي أن يعمل على أغلظ حاليه ، وإن ابتدأ بالمسح مسافرا ، ثم أقام بالمسح قبل سفره فيمسح يوما وليلة ، مسح مقيم : فإن خالفه ومسح ثلاثا مسح مسافر أعاد ما صلى بالمسح في اليومين الآخرين ، لأنه صلى وهو شاك في صحة طهارته ، فلو صلى بالمسح يومين ، وهو على شكه ثم تيقن في الثالثة أنه مسافر قبل مسحه جاز له المسح في اليوم الثالث فيستوفي مدة المسح في السفر ، وعليه أن يعيد ما صلى بالمسح في اليوم الثاني : لأنه حين صلى كان شاكا في طهارته ، فصلى كمن صلى على شك من وضوئه ثم تيقن بعد فراغه أنه كان متوضئا أعاد .