مسألة : قال
المزني : " ولو أقام الرجل بينة أنه باع من هذا الرجل ومن رجل غائب عبدا وقبضاه منه بألف درهم وكل واحد منهما كفيل ضامن لذلك على صاحبه بأمره قضى عليه وعلى الغائب بذلك وغرم الحاضر جميع الثمن ورجع بالنصف على الغائب ( قال
المزني ) قلت أنا : وهذا مما يجامعنا عليه من أنكر القضاء على غائب " .
قال
الماوردي : وصورتها في
رجل ادعى على رجل حاضر أنه باع عليه وعلى رجل غائب عبدا بألف درهم ، وأقبضها إياه ، وأن كل واحد منهما ضامن ما على صاحبه بأمره ، فصار له على هذا الحاضر بشرائه وضمانه ألف درهم ، فلا يخلو حال الحاضر المدعى عليه من أحد أمرين إما أن يقر ، أو ينكر ، فإن أقر بالدعوى لزمه دفع الألف إلى المدعي ، فإذا قدم الغائب فلا رجوع له عليه بشيء إلا أن يقر بمثل ما أقر لأن إقراره لازم له وليس بلازم لغيره ، وإن أنكر وكان للمدعي بينة سمعت عليه وقضي بها ، فإن ذكرت البينة في شهادتها الغائب باسمه ونسبه قضي على الحاضر بألف درهم من شرائه وضمانه ، فإن لم تذكر الغائب باسمه سمعت على الحاضر بالشراء ، وهل تسمع عليه بالضمان أم لا ؟ على وجهين من اختلافهم في معرفة المضمون عنه هل يكون شرطا في صحة الضمان أم لا ؟ فإن قيل إن معرفته شرط في صحة الضمان عنه لم تسمع البينة على الحاضر بالضمان وقضى عليه بخمسمائة لشرائه دون ضمانه .
وإن قيل إن معرفته ليست بشرط سمعت عليه ، وقضى عليه بالألف لشرائه وضمانه ، فإذا قضينا بالألف كلها بالبينة المسموعة عليه ثم قدم الغائب فأراد الحاضر أن يرجع عليه بالخمسمائة التي قامت بها البينة ، فإن اعترف له الضامن بذلك رجع عليه ، وإن أنكر نظر في الحاضر حين أنكر ، فإن كان أنكر الشراء أو الضمان وأكذب الدعوى لم يكن له أن يرجع على الغائب بشيء : لأنه مكذب لبينته معترف بأن المأخوذ منه ظلم وإن لم يكن أنكر الشراء والضمان ولا أكذب البينة وإنما دفع الدعوى بأن المدعي لا يستحق المطالبة بها فله أن يرجع على الغائب بما دفع عنه ، وتكون البينة حجة عليه للمدعي بألف ، وحجة له على الغائب بخمسمائة .
فأما
المزني فإنه لما رأى
أبا حنيفة يوافق على هذا مع امتناعه من
القضاء على الغائب جعل ذلك منه قضاء على الغائب .
فاختلف أصحابنا فكان
أبو علي بن أبي هريرة وطائفة يذهبون إلى قول
المزني إنه قضاء على الغائب وإن مذهب
أبي حنيفة به منكسر ؛ لأن فيها إلزام الشراء للغائب ليلزم الحاضر ضمانه .
[ ص: 449 ] وكانت طائفة أخرى من أصحابنا تمنع أن يكون هذا قضاء على الغائب والله أعلم بالصواب لأن ما قضي على الغائب أحلف المدعي مع بينته ، والمدعي هاهنا لا يحلف فلم يكن ذلك قضاء على الغائب والله أعلم .