الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
فصل : أخذ السفاتج بالمال على ضربين :

أحدهما : أن يكون بدين ثابت .

والثاني : أن يكون بقرض حادث .

فأما الدين الثابت إذا سأل صاحبه من هو عليه أن يكتب له به سفتجة إلى بلد آخر لم يلزمه إلا أن يشاء ، فلو اتفقا على كتب سفتجة جاز .

وأما القرض فضربان :

أحدهما أن يكون مشروطا فيه كتب السفتجة ، إما من جهة المقرض فيقول هو ذا أقرضتك لتكتب لي به سفتجة إلى بلد كذا ، أو من جهة المقترض فيقول : هو ذا أقترض منك لأكتب لك في سفتجة إلى بلد كذا فهذا قرض باطل لا يصح أخذ السفتجة به لأنه قرض جر منفعة .

[ ص: 468 ] والثاني : أن يكون قرضا مطلقا ثم يتفقان على كتب سفتجة فيجوز هذا كالدين ، وإذا كان كذلك فلا يخلو حال السفتجة بالدين من أحد أمرين إما أن يكون بلفظ الحوالة أو بلفظ الأمر والرسالة ، فإن كانت بلفظ الحوالة فإذا وردت السفتجة إلى المكتوب إليه لزمه أداؤها بأربعة شروط :

أحدها : أن يعترف بدين المكاتب .

والثاني : أن يعترف بدين المكتوب له .

والثالث : أن يعترف بأنه كتاب المحيل .

والرابع : أن يعترف أنه كتبه مريدا أنه الحوالة فإذا اعترف بهذه الأربعة لزمه أداء ما في السفتجة من الدين ، سواء ضمنه لفظا أم لا ، وإن اعترف بدين الكاتب وأنكر دين المكتوب له أو اعترف بدينهما وأنكر الكتاب لم تلزمه الحوالة .

ولو اعترف بدينهما وبالكتابة وأنكر أن يكون المكاتب أراد به الحوالة فالمذهب الذي يوجبه القياس أن الحوالة لا تلزمه .

ومن أصحابنا من قال : متى اعترف بالكتاب والدين لزمته الحوالة وإن أنكر الإرادة اعتمادا على العرف وأن الوصول إلى الإرادة متعذر ، فلو لم يعترف بالكتاب لكن أجاب إلى دفع المال ليكون مضمونا عليه إلى أن تصح الحوالة جاز ، واختلف أصحابنا هل يجوز له استرجاع المال منه قبل صحة الحوالة على وجهين :

أحدهما : لا يجوز اعتبارا بالشرط ، وأن له استرجاعه بعد العلم ببطلان الحوالة .

والوجه الثاني وهو قول أبي عبد الله الزبيري يجوز له استرجاع المال منه متى شاء ما لم تثبت صحة الحوالة لأن المال لا يلزمه إلا بعد صحة الحوالة .

أما إذا كانت السفتجة بلفظ الأمر والرسالة لم تلزم المكتوب إليه إلا أن يضمنها لفظا سواء اعترف بالكتاب والدين أم لا ، وهو قول محمد بن الحسن ، وقال أبو يوسف : إذا قرأها وتركها ترك رضا لزمته ، وقال غيره من العراقيين : إذا أثبتها في حسابه لزمته .

وكل هذا عندنا لا يلزم به السفتجة ، وكذلك لو كتب على ظهرها أنها صحيحة قد قبلتها ، حتى يضمنها لفظا ثم لا تلزم الكاتب إلا أن يعترف بها لفظا فلا تلزمه باعترافه بالخط ، ومن أصحابنا من قال : إن اعترف بالخط لزمه وهو قول من زعم أن المكتوب إليه إن اعترف بالخط في الحوالة لزمته وهو غير صحيح في الموضعين .

آخر كتاب الضمان بحمد الله ومنه وتوفيقه .

التالي السابق


الخدمات العلمية