فصل :
أخذ السفاتج بالمال على ضربين :
أحدهما : أن يكون بدين ثابت .
والثاني : أن يكون بقرض حادث .
فأما الدين الثابت إذا سأل صاحبه من هو عليه أن يكتب له به سفتجة إلى بلد آخر لم يلزمه إلا أن يشاء ، فلو اتفقا على كتب سفتجة جاز .
وأما القرض فضربان :
أحدهما أن يكون مشروطا فيه كتب السفتجة ، إما من جهة المقرض فيقول هو ذا أقرضتك لتكتب لي به سفتجة إلى بلد كذا ، أو من جهة المقترض فيقول : هو ذا أقترض منك لأكتب لك في سفتجة إلى بلد كذا فهذا قرض باطل لا يصح أخذ السفتجة به لأنه قرض جر منفعة .
[ ص: 468 ] والثاني : أن يكون قرضا مطلقا ثم يتفقان على كتب سفتجة فيجوز هذا كالدين ، وإذا كان كذلك فلا يخلو حال السفتجة بالدين من أحد أمرين إما أن يكون بلفظ الحوالة أو بلفظ الأمر والرسالة ، فإن كانت بلفظ الحوالة
فإذا وردت السفتجة إلى المكتوب إليه لزمه أداؤها بأربعة شروط :
أحدها : أن يعترف بدين المكاتب .
والثاني : أن يعترف بدين المكتوب له .
والثالث : أن يعترف بأنه كتاب المحيل .
والرابع : أن يعترف أنه كتبه مريدا أنه الحوالة فإذا اعترف بهذه الأربعة لزمه أداء ما في السفتجة من الدين ، سواء ضمنه لفظا أم لا ، وإن اعترف بدين الكاتب وأنكر دين المكتوب له أو اعترف بدينهما وأنكر الكتاب لم تلزمه الحوالة .
ولو
اعترف بدينهما وبالكتابة وأنكر أن يكون المكاتب أراد به الحوالة فالمذهب الذي يوجبه القياس أن الحوالة لا تلزمه .
ومن أصحابنا من قال : متى اعترف بالكتاب والدين لزمته الحوالة وإن أنكر الإرادة اعتمادا على العرف وأن الوصول إلى الإرادة متعذر ، فلو لم يعترف بالكتاب لكن أجاب إلى دفع المال ليكون مضمونا عليه إلى أن تصح الحوالة جاز ، واختلف أصحابنا هل يجوز له استرجاع المال منه قبل صحة الحوالة على وجهين :
أحدهما : لا يجوز اعتبارا بالشرط ، وأن له استرجاعه بعد العلم ببطلان الحوالة .
والوجه الثاني وهو قول
أبي عبد الله الزبيري يجوز له استرجاع المال منه متى شاء ما لم تثبت صحة الحوالة لأن المال لا يلزمه إلا بعد صحة الحوالة .
أما إذا كانت السفتجة بلفظ الأمر والرسالة لم تلزم المكتوب إليه إلا أن يضمنها لفظا سواء اعترف بالكتاب والدين أم لا ، وهو قول
محمد بن الحسن ، وقال
أبو يوسف : إذا قرأها وتركها ترك رضا لزمته ، وقال غيره من العراقيين : إذا أثبتها في حسابه لزمته .
وكل هذا عندنا لا يلزم به السفتجة ، وكذلك لو كتب على ظهرها أنها صحيحة قد قبلتها ، حتى يضمنها لفظا ثم لا تلزم الكاتب إلا أن يعترف بها لفظا فلا تلزمه باعترافه بالخط ، ومن أصحابنا من قال : إن اعترف بالخط لزمه وهو قول من زعم أن المكتوب إليه إن اعترف بالخط في الحوالة لزمته وهو غير صحيح في الموضعين .
آخر كتاب الضمان بحمد الله ومنه وتوفيقه .