مسألة : قال
المزني رضي الله عنه : " فإن وكله بخصومة فإن شاء قبل وإن شاء ترك ، فإن قبل فإن شاء فسخ وإن شاء ثبت " .
قال
الماوردي : وهذا صحيح ، وعقد الوكالة إرفاق ومعونة في العقود الجائزة دون اللازمة لأن ما لزم من عقود المنافع افتقر إلى مدة يلزم العقد إليها ، وصفة العمل الذي يستوفي بها كالإجارة فإذا لم يلزم تقريرها بمدة الاستيفاء ما تضمنها من صفة دل على جوازها دون لزومها ، وسواء كانت تطوعا أو بعوض ، إلا أنها إن كانت تطوعا فهي معونة محضة ، وإن كانت بعوض فهي في معنى الجعالة .
وإذا وكل رجل رجلا فالوكيل بالخيار بين
قبول الوكالة وردها .
وقبوله إن قبل على التراخي دون الفور على ما مضى ، فإذا قبلها فهو بالخيار إن شاء ثبت على الوكالة وإن شاء فسخها ، وسواء كان ذلك قبل شروعه في المخاصمة والعمل أو بعده ، وسواء كان الموكل حاضرا أو غائبا .
وقال
مالك : إن كان في رجوعه إضرار بالموكل لم يكن له الرجوع إلا بحضوره وإن لم يكن فيه إضرار جاز له الرجوع بغير حضوره .
[ ص: 512 ] وقال
أبو حنيفة : إذا شرع في الخصومة لم يكن له أن يفسخ إلا بحضور الموكل استدلالا بأن شروع الوكيل في المخاصمة حق للموكل ، فلم يجز له أن يخرج منه إلا إلى مستحقه كالوديعة ليس له وإن لم يلزمه استدامتها أن يخرج منها إلا إلى مستودعه .
ودليلنا هو أن كل من لم يكن رضاه معتبرا في دفع العقد لم يكن حضوره معتبرا في رفعه كالمطلقة طردا وكالإقالة عكسا وكان كل من صح منه فسخ الوكالة بحضور صاحبه صح منه أن ينفرد بفسخها كالموكل ولأنه عقد وكالة يصح من الموكل أن ينفرد بفسخه فصح من الوكيل أن ينفرد بفسخه كالوكالة التي لم يشرع الوكيل في المخاصمة فيها .
ولأن عقد الوكالة لا ينفك من أن يكون كالعقود اللازمة فلا يجوز لأحدهما أن يفسخ إلا برضا صاحبه كالبيع أو يكون كالعقود الجائزة فيجوز أن ينفرد بفسخه كالجعالة ، فلما لم يكن الرضا فيه معتبرا كان التفرد بفسخه جائزا .
فأما استدلالهم بأن في الخروج منه إلى غير مستحقه إضاعة لحقه كالوديعة فليس بصحيح لأنه لا يضيع بالخروج منها حق كالمودع الذي بيده مال يلزمه أداء الأمانة فيه برده إلى مستحقه .
ويجوز له أن يدفعه إلى الحاكم عند تعذره ، وكذلك الوكيل لو كان بيده مال .