فصل : فأما الفصل الثاني من المقدمة وهو أن
يدفع الموكل مالا إلى وكيله ليشتري له عبدا به ، فهذا على ثلاثة أقسام :
أحدها : أن
يأمره أن يشتري بعين المال عبدا فوجب على الوكيل أن يشتري العبد بعين مال موكله ، فإن اشتراه في ذمته لم يلزم للموكل وكان الشرى لازما للوكيل .
وقال
أبو حنيفة : الوكيل بالخيار بين أن يشتري العبد بعين المال وبين أن يشتريه في ذمته ، وهو في كلا الحالين لازم للموكل .
وبنى ذلك على أصله أن الدراهم والدنانير لا يتعينان عنده وهذا خطأ لتعيين الدراهم والدنانير عندنا في العقود كما تتعين في الغصوب ، وقد دللنا على ذلك في كتاب البيوع ولأن يد الوكيل كيد المودع ومال الوديعة متعين وكذا ما بيد الوكيل متعين .
وإذا تعين ما بيده لموكله حتى لا يجوز أن يرد عليه عين ماله وجب أن يكون الشرى محمولا على موجب إذنه .
والقسم الثاني : أن
يأمره أن يشتري في ذمته وينقد المال في ثمنه .
فإن اشتراه في الذمة صح ، وكان لازما للموكل .
وإن اشتراه بعين المال ففيه وجهان :
[ ص: 534 ] أحدهما وهو قول
أبي علي الطبري ذكره في إفصاحه : أن الشرى جائز وهو للموكل لازم لأن العقد على المعين أحوط .
والوجه الثاني وهو اختيار أبي حامد الإسفراييني أن الشرى باطل لا يلزم الوكيل لأنه غير مالك للعين ، ولا يلزم الموكل لأن الوكيل قد فوت عليه غرضا لأن العقد في الذمة لا يبطل بتلف الثمن ، فصار فعل الوكيل مخالفا لأمر الموكل .
فلو
امتثل الوكيل أمر موكله واشترى العبد بثمن في ذمته ثم نقد الثمن من عنده برئ الوكيل والموكل منه ، ولم يكن للوكيل أن يرجع على الموكل لأن أمره بنقد هذا المال في الثمن يتضمن نهيا عن نقده من غيره .
والقسم الثالث : أن يطلق الإذن في الشرى عند دفع المال ، فيقول : خذ هذا المال فاشتر لي عبدا ، فقد اختلف أصحابنا هل يكون إطلاقه مقتضيا للتعيين أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما وهو قول
أبي علي الطبري : أنه يقتضيه لأن تقديم الثمن على العبد شاهد فيه ، فعلى هذا إن اشترى في ذمته كان الشرى لازما للوكيل دون الموكل .
والوجه الثاني وهو قول البصريين : إنه لا يقتضي التعيين لأن الإطلاق على العموم ، فعلى هذا يكون الوكيل مخيرا بين العقد على العين أو في الذمة ، فهذا شرح المقدمة .