فصل : وأما المسألة الثالثة فهو أن
يقول : له علي كذا وكذا فهذا إقرار بشيئين لدخول واو العطف بينهما ، وهكذا لو قال : له علي كذا ثم كذا كان إقراره بشيئين ، ولو قال : له علي كذا بل كذا ففيه وجهان :
أحدهما : يكون إقرارا بشيء واحد ، ويكون الثاني إثباتا للأول .
والوجه الثاني : أنه يكون إقرارا بشيئين ؛ لأنه لا يسوغ في اللسان أن يقول رأيت زيدا بل زيدا ، يعني الأول ، وإنما يصح إذا عنى غيره .
فإن ضمه إلى ذكر الدراهم فقال : له علي كذا وكذا درهما بالنصب ، أو درهم بالخفض ، قال
الشافعي : هاهنا يلزمه درهمان وحكى
المزني عنه أنه قال في موضع آخر : إنه يلزمه درهم واحد .
واختلف أصحابنا في ذلك لاختلاف جوابه على أربع طرق :
إحداها : وهي طريقة
المزني أن المسألة على قولين :
[ ص: 28 ] أحدهما : يلزمه درهم ؛ لأن كذا وكذا شيئان فأوجب تفسيرهما بالدرهم أن يكونا درهمين .
والقول الثاني : وهو اختيار
المزني يلزمه درهم واحد ؛ لأن كذا يقع على أقل من درهم فيصير الشيئان درهما .
والطريقة الثانية : وهي طريقة
أبي إسحاق المروزي أن اختلاف نصه في موضعين لاختلاف إعراب الكلامين فقوله هاهنا عليه درهمان إذا قاله منصوبا ، وقوله في الموضع الآخر عليه درهم واحد إذا قاله مرفوعا .
والطريقة الثالثة : وهي طريقة
أبي علي بن أبي هريرة أن اختلاف نصه لاختلاف لفظه ، فقوله : هاهنا عليه درهمان إذا ذكر بينهما الواو فقال : له علي كذا وكذا درهما ، وقوله في الموضع الآخر ، عليه درهم واحد إذا لم يذكر بينهما الواو فقال : له علي كذا وكذا ، أو شك الحاكم هل ذكر الواو في إقراره أم لا . لأن الإقرار لا يلزمه فيه إلا التفسير قال : وقد صرح
الشافعي بهذا في الأم .
والطريقة الرابعة : وهي طريقة بعض المتقدمين أن اختلاف نصه لاختلاف إرادته فقوله " هاهنا يلزمه درهمان " إذا أرادهما ، أو أطلق ، وقوله في الموضع الآخر " يلزمه درهم واحد إذا أراد درهما واحدا ، ولم يطلق .
فهذا ما ذكره
الشافعي ، وما اختلف أصحابنا في مراده به .
فأما
محمد بن الحسن فيقول يلزمه أحد وعشرون درهما ؛ لأنه أول عدد مركب دخلته الواو . وكان تفسيره منصوبا ، وهكذا يقول
أبو إسحاق المروزي فيمن كان نحويا وفيما ذكرنا عليهما مقنع ، والله أعلم .