مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : " ولو
قال له علي دراهم ثم قال هي نقض ، أو زيف لم يصدق " .
قال
الماوردي : اعلم أن الدرهم في حقيقته عبارة عن وزن وقدر ، وقد يعبر به عن المضروب غير أن الحكم فيه متعلق بالقدر منه ومقاديرها مختلفة في البلاد . فدراهم الإسلام أوسطها وهي التي وزن كل واحد منها ستة دوانق وكل دانق منها ثمان حبات ووزن كل عشرة منها سبعة مثاقيل وهي أوسط الدراهم قدرا وهي الدراهم الهرقلية .
والدرهم الثاني وهو البغلي وهو أعلاها ووزنه ثمانية دوانق يزيد على درهم الإسلام ثلث وزنه ، والدرهم الثالث وهو
الطبري وهو أدناها ووزنه أربعة دوانق بنقص عن درهم الإسلام ثلث وزنه . وقد يكون بين ذلك دراهم بلاد تقارب في القدر وزن هذه كالدرهم الخوارزمي ووزنه ثلاثة أرباع الدرهم .
فإذا تقرر هذا
وأقر الرجل بألف درهم ثم قال : هي من دراهم الإسلام فهو مقبول منه سواء قال ذلك متصلا ، أو منفصلا لأمرين :
أحدهما : أنها الأغلب من دراهم الناس .
والثاني : أنها المعهود عرفا من مطلق دراهم الناس .
[ ص: 53 ] فإن
قال : أردت الدراهم البغلية فمقبول لزيادتها على دراهم غالب الناس ، وإن قال : من الدراهم الطبرية وهي
طبرية الشام فإن قال ذلك متصلا فهو مقبول كالاستثناء ؛ لأن نقص الوزن كنقص الاستثناء من الأعداد . وإن قال ذلك منفصلا فلا يخلو حاله من أحد أمرين :
إما أن يكون من أهل ذلك البلد التي هي وزن دراهمهم . أو لا .
فإن لم يكن منهم وكان من غيرهم ، أو منهم ولكن في غير بلدهم لم يقبل ذلك منه كما لا يقبل منه الاستثناء المنفصل ؛ لأنهما نقصا عددا وقدرا .
وإن
كان من أهل ذلك البلد وفيه كأهل طبرية الشام إذا أقر الواحد منهم بألف درهم ثم قال منفصلا : أردت الدرهم الطبري ، أو كأهل خوارزم إذا قال المقر فيها بالدراهم : أردت الدرهم الخوارزمي ، ففيه وجهان :
أحدهما : قاله
أبو حامد المروزي في جامعه من باب الإقرار بالحكم : الظاهر أن ذلك مقبول منه كما يلزم ذلك في إطلاق البيع .
والوجه الثاني : وهو قول
أبي حامد الإسفراييني : لا يقبل منه إلا دراهم الإسلام ؛ لأن عرف البلاد في الإقرار غير معتبر وإن كان معتبرا في البيع .