فصل : وأما الحالة الثالثة : وهو أن يكون
المغصوب ناقصا ، فعلى ضربين أحدهما : أن يكون حيوانا .
والثاني : أن يكون غير حيوان . فإن كان غير حيوان فالنقص على ضربين :
أحدهما : أن يكون متميزا كالحنطة يتلف بعضها ، أو كالثياب يتلف ثوب منها ، أو ذراع من جملتها فيكون ضامنا للنقص بالمثل إن كان ذا مثل وبالقيمة إن لم يكن ذا مثل ويرد الباقي بعينه سواء كان التالف أكثر المغصوب ، أو أقله وهذا متفق عليه .
والضرب الثاني : أن يكون النقص غير متميز كثوب شقه ، أو إناء كسره ، أو رضه فإن كان الناقص منه أقل منافعه أخذه ، وما ينقص من قيمته إجماعا فيقوم صحيحا فإذا قيل مائة درهم قوم ممزقا ، أو مكسورا فإذا قيل ستون درهما فنقصه أربعون درهما فيأخذه ممزقا ، أو مكسورا ويأخذ معه أربعين درهما وإن كان الناقص أكثر منافعه فقد اختلف الفقهاء فيه فذهب
الشافعي - رضي الله عنه - أنه يأخذه ، وما نقص من قيمته حتى لو كان يساوي مائة درهم فصار بعد النقص يساوي درهما أخذه وتسعة وتسعين درهما . وهكذا لو تمزق الثوب وترضض الإناء حتى لم يبق لهما قيمة أخذ قيمتها كاملة وأخذ المرضوض ، والممزق ، ولم يملكه الغاصب مع أداء القيمة .
وقال
مالك : يكون المالك مخيرا بين تسليمه إلى الغاصب ويأخذ منه جميع القيمة وبين أن يمسك به ناقصا ، ولا أرش له .
وقال
أبو حنيفة : يكون المالك مخيرا بين أن يتمسك به ويرجع بأرش نقصه وبين أن يسلمه للغاصب ويرجع بجميع قيمته .
[ ص: 139 ] وإذا تمزق الثوب وترضض الإناء حتى بلغ النقص جميع قيمته غرم القيمة وملك المرضوض ، والممزق استدلالا بأن لا يصير جامعا بين البدل ، والمبدل . قالوا ولأن العين إذا ذهب أكثر منافعها صار الباقي ذاهب المنفعة فجاز له أن يرجع بجميع القيمة ولأن الأقل تبعا للأكثر فلما كان غارما لأكثر المنافع وجب أن يكون غارما لأقلها ودليلنا - قوله تعالى - :
فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم [ البقرة : 194 ] .
فإذا اعتدى باستهلاك البعض لم يجز أن يعتدي عليه باستهلاك الكل ولأن ما لم يلزم غرم جميعه باستهلاك أقله لم يلزم غرم جميعه باستهلاك أكثره قياسا على النقص المميز ، ولأن ما لم يكن تمييز بعضه موجبا لغرم لم يكن عدم تمييزه موجبا لغرم جميعه قياسا على النقص الأقل ، ولا يدخل على هاتين العلتين أطراف العبد .
فأما الجواب عن قولهم : إنه جمع بين البدل ، والمبدل فهو غير صحيح ؛ لأن المأخوذ بدل من المستهلك دون الباقي فلم يكن جمعا بين البدل ، والمبدل وأما الجواب عن قولهم إن الباقي من المنافع بعد ذهاب أكثرها ذاهب فهو أنه قول مطروح وعيان مدفوع ولو جاز أن يكون الباقي ذاهبا لكان الذاهب باقيا وأما الجواب عن قولهم : إن الأقل تبع للأكثر فهو أنه لو جاز أن يكون هذا دليلا على وجوب ضمان الأقل تبعا لوجوب الضمان في الأكثر لكان دليلا على سقوط ضمان الأقل تبعا لسقوط الضمان في الأكثر حتى أنه لو أتلف أقل المنافع لم يضمنها ؛ لأنه يضمن الأكثر منها وهذا قول مردود .
فإذا ثبت وجوب أخذه وقدر نقصه قليلا كان النقص أو كثيرا نفع الباقي منه أو لم ينفع ، نظر فإن كان من غير جنس الأثمان ضمن نقص قدر قيمته وإن كان من جنس الأثمان فقد قال
أبو حنيفة : ليس له الرجوع بنقصه . وهو بالخيار بين تسليمه إلى الغاصب وأخذ قيمته كلها وبين إمساكه ، ولا أرش له ؛ لأن الأثمان مستحقة في الأرش فلم يجز أن يدخلها وهذا خطأ ؛ لأن كل نقص دخل على عوض ، أو معوض استحق أرشه ، ولم يجز مع إمكان الأرش أن يكون هدرا وإذا كان هذا ضامنا ففي كيفية ضمانه وجهان على ما مضى :
أحدهما : يضمن أجرة صنعته لا غير .
والثاني : يضمن قدر النقص من قيمته ذهبا إن كان من ورق وورقا إن كان من ذهب .