فصل : وأما الناسية فتنقسم حالها ثلاثة أقسام :
أحدها : أن تكون ناسية لقدر حيضها ووقته .
القسم الثاني : أن تكون ناسية لقدر حيضها ذاكرة لوقته .
والقسم الثالث : أن تكون ناسية لوقت حيضها ذاكرة لقدره .
فأما القسم الأول وهو
الناسية لقدر حيضها ووقته ، فصورته في امرأة اتصل دمها واستدام وهو على صفة واحدة لا يتميز ولها عادة في الحيض سالفة ، قد نسيت قدرها ، ولا تعلم هل كان يوما أو خمسا أو عشرا أو خمسة عشر ، ونسيت وقتها فلا تعلم هل كان في أول الشهر أو وسطه أو في آخره ؟ هل كانت تحيض في كل شهر أو شهرين أو في كل سنة أو سنتين ، فهذه يسميها أصحابنا المتحيرة لإشكال أمرها وترددها بين أمرين متباينين ، وإذا كان كذلك ، فقد كان بعض أصحابنا يغلط في هذه المسألة فيخرجها على قولين كالمبتدأة لما اشتبه عليه كلام
الشافعي حيث يقول في كتاب العدد " وإذا ابتدأت مستحاضة أو نسيت أيام حيضها تركت الصلاة لأقل ما تحيض له النساء ، وذلك يوم وليلة " فظن أنه أراد هذه الناسية وهذا غير صحيح : لأن أول زمان حيضها مجهول ، فلا معنى لاعتبار الاجتهاد مع الجهل بالزمان ، ولأصحابنا عما ذكره
الشافعي في كتاب العدد جوابان :
أحدهما : أنه جمع بين المبتدأة والناسية ، وعطف بالجواب عليهما مريدا للمبتدأة دون الناسية وكثيرا ما يفعل
الشافعي مثل هذا .
والجواب الثاني : أنه أراد الناسية لقدر حيضها إذا كانت ذاكرة لوقته على ما سنذكره .
فأما الناسية للأمرين قدرا ووقتا ، فهي مجهولة الحيض والطهر ، وهي في
محظورات الحيض على ثلاثة أقسام . .
قسم يجب عليها اجتنابه ، وقسم يجب عليها فعله ، وقسم يختلف فيه .
فأما القسم الذي يلزمها اجتنابه فهو حمل المصحف أو دخول المسجد وقراءة القرآن
[ ص: 410 ] في غير الصلاة والتطوع بنفل الصلاة والصيام والطواف ، فتمنع من هذا كله : خوفا من أن تكون حائضا ، وليس يضرها تركه إن كانت طاهرا .
فأما القسم الذي يلزمها فعله وهو ما كان فرضا من الصلاة والصيام والطواف ، فيلزمها فعله : لجواز أن تكون طاهرا ، وليس يسقط فرضه بالشك .
وأما القسم المختلف فيه فشيئان :
أحدهما : وطء الزوج .
والثاني : سنن الصلوات الموظفات ، وفيهما وجهان :
أحدهما : أنها ممنوعة منهما وأما وطء الزوج فلربما صادف حيضا محظورا ، فلم يجز أن تستبيحها بالشك ، وأما السنن من الصلوات الراتبة ، فلأن فعلها في الحيض أغلظ من تركها في الطهر .
والوجه الثاني : أنها ممكنة منهما غير ممنوعة من فعلهما ، أما وطء الزوج فلأمرين :
أحدهما : أنه مستحق الاستمتاع بها يقينا ، فلا يمنع منها شك .
والثاني : أن منعه منها مع استدامة حالها يحرم عليه مع بقاء النكاح ، وليست كالمبتدأة إذا أشكل حالها ، لأن زمان الشك يسير .
وأما السنن من الصلوات فلأمرين :
أحدهما : أنها تبع للمفروضات في الفعل والترك ، فلما كانت مأمورة بفعل المفروضات صارت مأمورة بفعل المسنونات .
والثاني : أن تعارض الشكين قد تقابلا ، والأصل الأمر بالفعل .