مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " ولو
باعها الغاصب فأولدها المشتري ثم استحقها المغصوب أخذ من المشتري مهرها وقيمتها إن كانت ميتة وأخذها إن كانت حية وأخذ منه قيمة أولادها يوم سقطوا أحياء ، ولا يرجع عليه بقيمة من سقط ميتا ويرجع المشتري على الغاصب بجميع ما منه من قيمة الولد ؛ لأنه غره ، ولا أرده بالمهر لأنه كالشيء يتلفه فلا
[ ص: 152 ] يرجع بغرمه على غيره وإذا كان الغاصب هو الذي أولدها أخذها ، وما نقصها ومهر مثلها وجميع ولدها وقيمة من كان منهم ميتا وعليه الحد إن لم يأت بشبهة " .
قال
الماوردي : اعلم أن
الشافعي - رضي الله عنه - ذكر هنا مسألتين :
إحداهما : في وطء المشتري فقدمها
المزني . والثانية : في وطء الغاصب فأخرها
المزني وتقديمها أولى ؛ لأنها مقدمة لوطء المشتري فإذا
وطئ الغاصب الجارية المغصوبة لم يخل حاله من أحد أمرين : إما أن تكون له شبهة ، أو لا شبهة له فإن لم تكن له شبهة ووطئها عالما بتحريم الزنا وأن وطأ المغصوبة زنا فعليه الحد لكونه زانيا ، والولد إن جاءت به مملوك ، ولا يلحق به لقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923336الولد للفراش وللعاهر الحجر وهو مضمون عليه إن مات أكثر ما كان قيمة وإن
وضعت ولدا ميتا ففي ضمانه وجهان :
أحدهما : يكون مضمونا بقيمته لو كان حيا كما يضمنه بالجناية إذا سقط ميتا ، وهو الظاهر من قول
الشافعي - رضي الله عنه - : وقيمة من كان منهم ميتا . ولعل هذا قول
أبي العباس بن سريج .
والوجه الثاني : وهو الأصح وبه قال
أبو علي بن أبي هريرة أنه لا يكون مضمونا ؛ لأننا لم نعلم له حياة متيقنة حتى يضمن بالتلف ويستقر عليه حكم الملك ، والفرق بين الغصب ، والجناية أن في الجناية مباشرة تعلق الحكم بها وليس في الغصب مباشرة يتعلق الحكم بها ، ألا ترى لو
غصب حرا فمات لم يضمن ولو جنى عليه ضمن ، ويكون تأويل قول
الشافعي - رضي الله عنه - وقيمة من كان منهم ميتا إذا علم موته بعد حياته فأما المهر فلا تخلو الأمة من أن تكون مطاوعة ، أو مستكرهة فإن كانت مستكرهة وجب المهر عليه وسقط الحد عنها وإن كانت مطاوعة حدت وفي وجوب المهر عليه وجهان :
أحدهما : وهو قول
أبي العباس بن سريج أن المهر عليه واجب ؛ لأنه حق لسيدها فلا يسقط بمطاوعتها كما لو بذلت قطع يدها لم يسقط عن القاطع ديتها .
والوجه الثاني : وهو ظاهر مذهب
الشافعي - رضي الله عنه - وقول جمهور أصحابه أنه لا مهر لها عليه ؛ لأنها بالمطاوعة تكون بغي ، وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=923229نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مهر البغي وخالف قطع اليدين منها ؛ لأن القطع نقص دخل على بدنها وقيمتها وليس الوطء نقص في بدنها ، ولا قيمتها ، ثم إن كانت بكرا فعليه أرش بكارتها بالافتضاض ؛ لأنه استهلاك جزء منها وهكذا يلزمه غرم ما نقص من قيمتها بالولادة فإن تطاول زمان غصبها حتى يكون لمثلها أجرة فعليه أجرة مثلها ؛ لأن
منافع المغصوبة مضمونة فإن ماتت في يده ضمن جميع قيمتها أكثر ما كانت قيمة من وقت الغصب إلى وقت التلف وسقط عنه أرش البكارة ونقص الولادة ؛ لأنهما قد دخلا في ضمان
[ ص: 153 ] أكثر القيم ، ولا يسقط عنه ضمان المهر ، والأجرة ؛ لأنها بدل عن منفعة لا تتعلق بالقيمة ولو
سلمها الغاصب إلى ربها حاملا فماتت بعد التسليم نظر فإن كان موتها بغير الولادة فلا ضمان على الغاصب ؛ لأنه قد برئ من ضمانها بالتسليم وإن
ماتت من ولادتها ففي ضمان قيمتها على الغاصب قولان مبنيان على اختلاف قوليه في
الزاني بالحرة إذا ماتت في ولادتها من زنا فهل يضمن ديتها :
أحدهما : يكون ضامنا لقيمتها ودية الحرة لموتها بسبب منه هو متعديه .
والقول الثاني : لا ضمان عليه من قيمة ، ولا دية ؛ لأن السبب قد انقطع حكمه بنفيه عنه فاقتضى أن ينقطع حكمه من تعلق الضمان به فأما إن
مات ولدها بعد التسليم دونها لم يضمنه قولا واحدا ؛ لأن وطأه إياها لا يكون سببا لموت من تلده منه ولكن لو
نقصت قيمتها بولادته كان في ضمانه لنقصه قولان كالموت فهذا ما يتعلق بوطئه من الأحكام عند عدم الشبهة وهي تسعة : الحد ، ونفي النسب ، ورق الأولاد ، وضمانهم بالتلف ، والمهر مع الإكراه ، وأرش البكارة ، وأجرة المثل ، ونقص الولادة ، وضمان قيمتها بالموت قبل التسليم وبعده .