فصل : والحالة الثانية : أن يعجز على التوكيل ويقدر على الإشهاد بالطلب فعند
أبي حنيفة أن الإشهاد شرط في استحقاق الشفعة مع القدرة على الطلب ، والعجز عنه ، وأنه متى لم يشهد مع مكنته من الإشهاد بطلت شفعته ، وعند
الشافعي - رضي الله عنه - أن الإشهاد مع القدرة على الطلب ليس بواجب ؛ لأن الإشهاد إنما يراد ليكون بينة له على إرادة الطلب فاستغنى عنه بظهور الطلب .
فأما وجوب
الإشهاد مع العجز عن الطلب ففيه قولان :
أحدهما : وهو ظاهر نصه هاهنا : أن الإشهاد ليس بواجب وهو على شفعته إن تركه كالقادر على الطلب .
والقول الثاني : أن الإشهاد واجب وتركه مبطل للشفعة ، والفرق بين القادر على الطلب ، والعاجز عنه ، أن ظهور الطلب من القادر عليه يغني عن الإخبار بمراده ، والعاجز عنه قد يحتمل أن يكون إمساكه تركا للشفعة ، ويحتمل أن يكون قصدا للطلب مع المكنة فافتقر إلى نفي الاحتمال في الإخبار عن مراده بالإشهاد ، فعلى هذا يجب أن يشهد ويكون بينة كاملة عند
[ ص: 243 ] الحاكم وهو أن يشهد شاهدين عدلين ، أو شاهدا وامرأتين ، فإن أشهد شاهدا واحدا ليحلف معه لم يجز ؛ لأن من الحكام من لا يحكم بالشاهد واليمين ، فلم يصر مستوثقا لنفسه بالإشهاد .
ولو أشهد عبيدا ، أو صبيانا ، أو فساقا لم يجزه .
وقال
أبو حنيفة : يجزيه إشهادهم ؛ لأنه قد يعتق العبد ، ويرشد الفساق ، ويبلغ الصبيان ، وهذا خطأ ؛ لأن مقصود الشهادة هو الأداء فلم ينفع إشهاد من لا يصح منه الأداء ، وليس ما ذكره من جواز انتقالهم عن أحوالهم بأغلب من جواز بقائهم على أحوالهم ، فلو لم يشهد وطالب عند الحاكم بالشفعة فهو أقوى من الشهادة في ثبوت الشفعة .