مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : "
ولا شفعة في بئر لا بياض لها ؛ لأنها لا تحتمل القسم " .
قال
الماوردي : قد ذكرنا أن ما سوى العقار ، والأرضين لا شفعة فيه ، وهو قول
عطاء ، وإن العقار ضربان :
ضرب يقسم جبرا ففيه الشفعة وفاقا ، وضرب لا يقسم جبرا ، ففيه الشفعة عند
أبي العباس بن سريج وبه قال
مالك ،
وأبو حنيفة خوفا من سوء المشاركة واستدامة الضرر به ولهذا القول وجه . ومذهب
الشافعي لا شفعة فيه للأمن من مئونة القسمة .
وعليه يكون التفريع : فمن ذلك
البئر المشتركة إذا بيع شقص منها فلا يخلو حالها من أحد أمرين :
إما أن يكون حولها بياض لها أم لا فإن كان حولها بياض لها ، فعلى ضربين :
أحدهما : أن تكون واسعة تحتمل القسمة كالأرض التي يحفر فيها بئر وهي محتملة للقسم فالشفعة واجبة في البئر تبعا للأرض كما تجب في النخل تبعا للأرض ؛ لأن البئر إذا حصلت في حصة أحدهما أمكن للآخر حفر مثلها في حصته .
والضرب الثاني : أن يكون البياض ضيقا لا يحتمل القسمة ؛ لأنه حريم للبئر لا يمكن أن يفرد عنها على حسب اختلاف الفقهاء في قدر الحريم فيكون حكمها حكم البئر التي ليس حولها بياض لها ؛ لأنه لقلته وتعذر إفراده عنها تبع لها ، وإذا اتسع صارت البئر تبعا له ، وإذا كان كذلك ، ولم يكن حول البئر بياض ، أو كان يسيرا لا يحتمل القسم فلا يخلو حالها من أحد أمرين :
إما أن تكون واسعة أو ضيقة ، فإن كانت ضيقة لا تحتمل القسم فلا شفعة فيها على مذهب
الشافعي - رضي الله عنه - . وقد روي عن
عثمان بن عفان رضي الله عنه : " أنه لا شفعة في بئر ، ولا فحل ، والأرق تقطع كل شفعة . " يعني بالفحل : فحل النخل يكون للرجل في أرض غيره من غير شرك في الأرض ، والأرق المعالم .
[ ص: 272 ] وإن كانت البئر واسعة تحتمل القسمة كآبار البادية فلها حالتان : إحداهما : أن تكون يابسة لم يوصل إليها الماء فالشفعة فيها واجبة ؛ لأنه إذا قسمت ، وصار كل واحد منهم أمكن أن يحجزها ويحفرها بئرا .
والحالة الثانية : أن يكون فيها ماء قد وصل الحفر إليه فهذا على ضربين : أحدهما : أن يكون ينبوع الماء من جميعها ، وخارجا من سائر قرارها ، فالشفعة فيها واجبة ؛ لأنها إذا قسمت وجعل بين الحصتين حاجزا كانت بئرا مفردة .
والضرب الثاني : أن يكون ينبوع الماء في جانب منها فلا شفعة فيها ؛ لأنه وإن أمكن قسمتها لسعتها فقد يحصل ينبوع الماء في جانبها لإحدى الحصتين فتصير إحدى الحصتين بئرا ، والأخرى غير بئر فلم يصح القسم ، ولم تجب الشفعة .