فصل :
وإن كان لهذه النفساء التي قد تجاوز دمها ستين يوما حيض معتاد فقد اختلف أصحابنا هل يجوز أن يتصل دم الحيض بدم النفاس أم لا ؟ على وجهين حكاهما
أبو إسحاق المروزي في كتابه في الحيض :
أحدهما : لا يجوز أن يتصل ، لأن النفاس نوع من الحيض ولا يجوز أن يتصل حيض بحيض ، فكذلك نفاس بحيض ، فعلى هذا يكون الجواب على ما مضى من ردها إلى التمييز ثم إلى العادة ثم على الأوجه الثلاثة .
والوجه الثاني : يجوز أن يتصل : لأن النفاس مخالف للحيض في أقله وأكثره ، فجاز أن يتصل أحدهما بالآخر ، فعلى هذا الوجه يكون التفريع فينظر في قدر الدم الزائد على الستين ، فإن لم يتجاوز خمسة عشر يوما فأمرها غير مشكل ، وتكون الستون يوما نفاسا ، وما زاد على الستين حيض ، فإن كان الدم سبعين يوما فحيضها عشرة أيام : لأنك تستكمل النفاس ستين يوما : لأنه يقين ، وتجعل الزيادة بعدها حيضا وإن بلغ دمها خمسة وسبعين يوما ، فقد استكمل أكثر النفاس ، وأكثر الحيض ، فأما إذا تجاوز دمها خمسة وسبعين يوما ، فقد صارت حينئذ مستحاضة ، دخلت استحاضتها في الحيض والنفاس جميعا ، ولا يخلو حالها من أحد أمرين إما أن يكون لها تمييز أم لا ؟ فإن كانت مميزة ردت إلى تمييزها ولا يخلو حال ما ميز به من سواد من أن يتجاوز الستين أو لا يتجاوزها ، فإن تجاوز الستين ، ولم يزد على الخمسة والسبعين ، فقد استقر لها نفاسها وحيضها بالتمييز ، فيكون نفاسها ستين يوما ، والحيض ما زاد عليه ، وإن لم يتجاوز دمها ستين يوما فقد حصل لها بالتمييز النفاس وحده ، فيكون نفاسها ستين يوما وترد إلى عادتها في الحيض ، فإن كانت عشرا صار ما تتركه من
[ ص: 441 ] الصلوات سبعين يوما ، ولو كان ما ميز به من سواد الدم خمسين يوما صار ما تتركه من الصلوات مع عادتها في الحيض ستين يوما ، ولو كان سواد الدم عشرين يوما صار ما تتركه من الصلوات مع عادتها في الحيض ثلاثين يوما فيستقر لها النفاس بالتمييز والحيض بالعادة ، وإن يتميز دمها - ولو كان لونا واحدا - ردت إلى عادتها في النفاس والحيض جميعا ، ولا يخلو حال ما فيهما من أربعة أقسام :
أحدها : أن تكون عادة في النفاس والحيض جميعا ، فترد إلى العادة فيهما .
مثاله : أن تكون عادتها في النفاس ثلاثين يوما ، وفي الحيض عشرة أيام فتترك الصلاة أربعين يوما ، وتعيد صلاة ما زاد عليها .
والقسم الثاني : أن تكون لها عادة في النفاس دون الحيض .
مثاله : أن يكون عادتها في النفاس ثلاثين يوما ، وليس لها في الحيض عادة تعرفها فترد في نفاسها إلى الثلاثين المعتادة ، وفيما ترد إليه من الحيض قولان :
أحدهما : ترد إلى يوم وليلة ، فعلى هذا تدع الصلاة أحدا وثلاثين يوما .
والقول الثاني : ترد إلى ست أو سبع ، فعلى [ هذا ] تدع الصلاة ستة أو سبعة وثلاثين يوما .
والقسم الثالث : أن يكون لها عادة في الحيض دون النفاس .
مثاله : أن تكون عادتها في الحيض عشرا ، وهي مبتدأة بالنفاس ، فترد إلى عادتها العشر في الحيض ، ويكون فيما ترد إليه من النفاس ثلاثة أوجه :
أحدها : إلى أقله فلهذا تدع الصلاة عشر الحيض وحدها .
والثاني : إلى أوسطه فعلى هذا تدع الصلاة خمسين يوما .
والثالث : إلى أكثره فعلى هذا تدع الصلاة سبعين يوما .
والقسم الرابع : أن لا يكون لها عادة في النفاس ، ولا في الحيض ، ففيما ترد إليه ثلاثة مذاهب :
أحدها : ترد إلى أقل الأمرين فعلى هذا تدع الصلاة يوما وليلة .
والثاني : ترد إلى أوسط الأمرين ، فعلى هذا تدع الصلاة ستة أو سبعة وأربعين يوما .
الثالث : ترد إلى أكثر النفاس وأوسطه فعلى هذا تضع الصلاة ستة أو سبعة وستين يوما ، والله أعلم .