مسألة : قال
الشافعي رحمه الله تعالى : " فإن
اشترى المقارض أبا نفسه بمال رب المال وفي المال فضل ، أو لا فضل فيه فسواء ، ولا يعتق عليه ؛ لأنه إنما يقوم مقام وكيل اشترى لغيره فبيعه جائز ، ولا ربح للعامل إلا بعد قبض رب المال ماله ، ولا يستوفيه ربه إلا وقد باع أباه ولو كان يملك من الربح شيئا قبل أن يصير المال إلى ربه كان مشاركا له ولو خسر حتى لا يبقى إلا أقل من رأس المال كان فيما بقي شريكا ؛ لأن من ملك شيئا زائدا ملكه ناقصا " .
قال
الماوردي : وصورتها أن يشتري العامل في القراض أبا نفسه ، فلا يخلو أن يكون في المال عند شرائه ربح يستحق فيه سهما أو لا ربح فيه .
فإن لم يكن في المال ربح كان أبو العامل على رقه في مال القراض ؛ لأن العامل لم يملك من أبيه شيئا ، وليس يمتنع أن يكون وكيلا في شراء أبيه لرب المال .
وإن كان في المال ربح يستحق فيه بعمله سهما ففي عتقه عليه قولان مبنيان على اختلاف قولين في العامل هل يكون شريكا في الربح بعمله ومالكا لحقه منه عند ظهوره ، أو هو وكيل يأخذ ما شرط من الربح أجرة يملكها بالحصص ؟ .
[ ص: 326 ] أحد القولين وهو اختيار
المزني أن العامل وكيل مستعجل وليس بشريك ، وما يخصه من الربح أجرة لا يملكها بالظهور ، وإنما يملكها بالقبض .
ووجه ذلك من ثلاثة أشياء :
أحدها : أنه لو ملك الربح بظهوره وكان شريكا لوجب إذا تلف من المال شيء أن يكون التالف مقسطا على الأصل والربح ؛ لأن تلف بعض المال المشترك لا يجوز أن يختص به بعض الشركاء فيه ، فلما كان التالف من جملة المال محسوبا من ربحه ، ولم يتقسط عليه وعلى أصله علم أنه لم يكن شريكا فيه ، ولا مالكا لشيء منه ؛ لأنه لو ملكه زائدا لملكه ناقصا .
والثاني : أن الربح عند ظهوره وقبل قبضه مرصد لصلاح المال وتثميره ؛ لأنه لو ظهر في المال خسران لكان مجبورا به ، ولو كان ملكا للعامل وشريكا فيه لما جاز أن يجبر به مال غيره ألا تراه إذا قبض الربح وملكه لم يجز أن يجبر الخسران به ؛ لأن ملك الإنسان لا يجبر به مال غيره .
والثالث : أن من كان شريكا في ربح إن ظهر كان شريكا في خسران إن حدث ، فإذا لم يكن العامل شريكا في الخسران ، ولا ملتزما لشيء منه لم يكن شريكا في الربح ، ولا مالكا لشيء منه ، فعلى هذا القول يكون أبو العامل على رقه في مال القراض ، ولا يعتق عليه ؛ لأنه غير مالك لشيء منه .
والقول الثاني : أن العامل شريك في الربح بعمله ومالك له بظهوره ، وبه قال
أبو حنيفة ، ووجهته ثلاثة أشياء :
أحدها : أن للعامل إجبار رب المال على القسمة - ولو لم يكن شريكا فيه بسهم لم يكن له الإجبار على قسمته - ألا تراه في المضاربة الفاسدة لا يملك إجباره على القسمة ؛ لأن ما يستحقه عليه أجرة ، ويملكه في المضاربة الصحيحة ، ولو لم يكن في المال ربح لم يجبره على القسمة ، ويجبره إذا كان فيه ربح ، ولا شيء أدل على ثبوت الملك من استحقاق القسمة .
والثاني : أنه لو كان ما يستحقه من الربح أجرة لا يملكها إلا بالقبض لما جاز أن تكون مجهولة القدر ، وفي إجماعهم على جواز المضاربة مع الجهالة بربحها دليل على أن سهم العامل منها لشركته فيها ، وليست أجرة تبطل مع الجهالة بها .
والثالث : أنه لو كان سهمه من الربح أجرة على عمله في المال لوجب أن يستحقه مع الخسران لوجود العمل ، وإن عدم الربح كوجوده مع ظهور الربح ؛ لأن فوات الأجرة لا تسقط معاوضة العمل كما لو استأجره على عمل بمال معين فتلف المال بعد العمل لم يهدر عمله واستحق به أجرة المثل ، فلما لم يجز ذلك دل على فساد الأجرة وصحة الشركة .
[ ص: 327 ] فعلى هذا يعتق عليه بالثمن الذي اشتراه به لا بقيمته إن كانت حصته من الربح هي جميع ثمنه . ويبطل عقد القراض في جميع المال بخلاف ما لو كان المشتري أبا رب المال ؛ لأن
العامل إذا اشترى أبا رب المال بأمره بطل من مال القراض بقدر ثمنه .
وإذا اشترى العامل أبا نفسه بطل جميع القراض .
والفرق بينهما أن أبا رب المال محسوب عليه من أصل المال من القراض بقدره ، ولم يبطل جميع عقده ، وأبو العامل محسوب عليه من ربحه ، وربح القراض لا يؤخذ إلا قسمة وسواء كانت حصته من الربح بقدر ثمنه ، أو أكثر في أن القراض كله قد بطل ؛ لأن أخذ بعض الربح كأخذ جميعه في الفسخ .
فإن استأنف من المال معه قراضا بعد شراء أبيه كان عقدا مستجدا ، وإن كانت حصة العامل من الربح أقل من ثمن أبيه كأنها كانت بقدر نصفه عتق منه بقدر حصته ، وصار بعتقه مستوفيا لجميع حقه ثم ينظر :
فإن كان موسرا بقيمة باقية قوم عليه وعتق جميعه فيصير نصفه معتقا بالثمن ونصفه معتقا بالقيمة .
وإن كان معسرا بقيمة باقية عتق منه ما عتق ورق منه ما رق .
فلو لم يظهر في المال ربح عند شراء أبيه فالمضاربة على حالها لبقاء أبيه على الرق ، فإن ظهر ربح فيما بعد عتق عليه وبطلت المضاربة .