مسألة : قال
الشافعي رحمه الله : وإن قارض العامل بالمال آخر بغير إذن صاحبه فهو ضامن فإن ربح فلصاحب المال شطر الربح ثم يكون للذي عمل شطره فيما يبقى . قال
المزني : هذا قوله قديما وأصل قوله الجديد المعروف أن كل عقد فاسد لا يجوز وإن جوز حتى يبتدئ بما يصلح فإن كان اشترى بعين المال فهو فاسد وإن كان اشترى بغير العين فالشراء جائز ، والربح والخسران للمقارض الأول وعليه الضمان وللعامل الثاني أجر مثله في قياس قوله " .
[ ص: 336 ] قال
الماوردي : اعلم أن
العامل في القراض ممنوع أن يقارض غيره بمال القراض ما لم يأذن له رب المال إذنا صحيحا صريحا .
وقال
أبو حنيفة : إن قال له رب المال عند دفعه : اعمل فيه برأيك جاز أن يدفع منه قراضا إلى غيره ؛ لأنه مفوض إلى رأيه فجاز أن يقارض به ؛ لأنه من رأيه ، وهذا خطأ ؛ لأن قوله اعمل فيه برأيك يقتضي أن يكون عمله فيه موكولا إلى رأيه ، فإذا قارض به كان العمل لغيره ، ولأنه لو قارض بجميع المال لم يجز وإن كان ذلك من رأيه لعدوله بذلك عن عمله إلى عمل غيره فكذلك إذا قارض ببعضه .
فإذا تقرر أنه لا يجوز أن يقارض غيره بالمال إلا بإذن صريح من رب المال فلا يخلو رب المال من ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يأذن له في العمل بنفسه ، ولا يأذن له في مقارضة غيره .
والثاني : أن يأذن له في مقارضة غيره ، ولا يأذن له في العمل بنفسه .
والثالث : أن يأذن له في العمل بنفسه وفي مقارضة غيره .
فأما القسم الأول : وهو أن يأذن له في العمل بنفسه ، ولا يأذن له في مقارضة غيره فهو مسألة الكتاب .
فإن قارض غيره بالمال فقد تعدى وصار ضامنا للمال بعدوانه ، وأنه كالغاصب فيكون حكمه فيما حصل له من الربح معتبرا بحكم الغاصب فيما حصل له في المال المغصوب من ربح .
والغاصب إذا اشترى بالمال المغصوب عرضا وأفاد فيه ربحا لم يخل عقد ابتياعه من أن يكون بعين المال ، أو بغير عينه .
فإن كان بعين المال فالشراء باطل ؛ لأن
العقد على المغصوب باطل ، ومع بطلان الشراء يفوت الربح فلا يحصل للغاصب ، ولا للمغصوب منه .
وإن كان الشراء في ذمة الغاصب ، والثمن مدفوع من المال المغصوب فالشراء صحيح لثبوته في الذمة ، والربح مملوك بهذا الابتياع لصحته .
وفي مستحقه قولان :
أحدهما - وهو قوله في القديم وبه قال
مالك - أن الربح للمغصوب منه دون الغاصب .
ووجه ذلك شيئان :
أحدهما : لما كان ما حدث عن المال المغصوب من ثمار ونتاج ملكا لربه دون غاصبه
[ ص: 337 ] وجب أن يكون ما حدث عنه من الربح ملكا لربه دون غاصبه ؛ لأنهما معا نماء عن ملكه .
والثاني : أن كل سبب محظور توصل به إلى ملك مال ، كان ذلك السبب المحظور مانعا من ملك ذلك المال كميراث القاتل لما كان القتل محظورا عليه منع من الميراث به ؛ لأنه لا يصير الميراث ذريعة إلى القتل . كذلك الغاصب لما كان الغصب محظورا عليه منع من أن يملك الربح به ؛ لأنه لو ملك الربح بغصبه لصار ذريعة إلى الغصب ليرد المال بعد استفادة الربح ، فهذا على وجه قوله في القديم .
والقول الثاني : وهو قوله في الجديد وبه قال
أبو حنيفة ، أن الربح للغاصب دون المغصوب منه ووجه ذلك شيئان :
أحدهما : أن كل نماء حدث عن سبب كان ملك ذلك النماء لمالك ذلك السبب ، وربح المال المغصوب حادث عن التقلب والعمل دون المال فاقتضى أن يكون ملكا لمن له التقلب ، والعمل دون من له المال وهو الغاصب دون المغصوب منه .
ألا ترى أن الثمار ، والنتاج لما كانت حادثة عن المال دون العمل كانت لمن له المال دون من له العمل وهو المغصوب منه دون الغاصب .
والثاني : أن الغاصب مأخوذ بمثل ما استهلك بغصبه ، وهو إنما استهلك المال المغصوب دون الربح ، فوجب أن يرد مثل المال المغصوب دون الربح .
فهذا توجيه قوله في الجديد .