الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

صفحة جزء
مسألة : قال المزني رحمه الله تعالى : " ولو اشترى العامل ، أو باع بما لا يتغابن الناس بمثله فباطل وهو للمال ضامن " .

قال الماوردي : وهذا صحيح ؛ لأن تصرف العامل في القراض موضوع لتثميره وتنميته ، فيلزمه في بيوعه وأشربته شرطان :

أحد شرطي شرائه : أن يشتري ما يرجو منه فضلا وربحا إما في الحال ، أو في ثاني حال ، فإن اشترى ما يعلم أن لا فضل فيه في الحال ، ولا في ثاني حال لم يجز لعدم الربح المقصود به .

والشرط الثاني : أن يكون الشراء إما مسترخصا إن كان بيعه في الحال ، أو بثمن مثله إن كان يتوقع فيه ربحا في ثاني حال .

[ ص: 354 ] فإن اشتراه بأكثر من ثمن مثله نظر : فإن كان الغبن فيه يسيرا قد يتغابن الناس بمثله كان معفوا عنه ؛ لأن العقود لا تخلو غالبا منه . وإن كان كثيرا لا يتغابن الناس بمثله لم يجز ، ثم ينظر في العقد :

فإن كان بعين المال بطل ، وإن كان في الذمة كان الشراء لازما لا في مال القراض .

وأما بيعه فبشرطين :

أحدهما : أن يتوقع به تناهي أسعاره المعهودة ليستكمل به الربح المقصود .

والشرط الثاني : أن يستوفي أوفر الأثمان الموجودة ؛ لأن بها محل بربح مقصود . فإن باعه بأقل من ثمن مثله نظر فيما غبن به :

فإن كان يسيرا قد يتغابن الناس بمثله كان معفوا عنه ؛ لأن العقود لا تخلو غالبا منه . وإن كان كثيرا لا يتغابن الناس بمثله لم يجز ، وكان البيع باطلا ، ولا ضمان عليه ما لم يقبض ، فإن قبض ضمن ، وفي قدر ما يضمنه قولان ذكرناهما في غير موضع .

أحدهما : وهو أصحهما أنه يضمن جميع القيمة .

والثاني : أنه يضمن ما قصر فيه من نقص القيمة .

ولا يبطل عقد القراض [ بضمانه ] ، لاستقراره بتصرفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية