فصل : وأما الضرب الذي اختلفت الفقهاء فيه فهو أن يزارعه على أرضه ليكون العمل على الأجير ، والأرض لربها ، والبذر منهما ، أو من أحدهما بحسب شرطهما على أن ما أخرج الله تعالى من زرع كان بينهما على سهم معلوم من نصف أو ثلث أو ربع ، ليأخذ الزارع سهمه بعمله ، ويأخذ رب الأرض سهمه بأرضه فهذه هي المخابرة ،
والمزارعة التي اختلف الفقهاء فيها على ثلاثة مذاهب : أحدها : وهو مذهب
الشافعي - رضي الله عنه - أنها باطلة سواء شرط البذر على الزارع ، أو على رب الأرض ، وبه قال من الصحابة :
عبد الله بن عمر ،
وجابر بن عبد الله ،
ورافع بن خديج - رضي الله عنهم - ، ومن التابعين :
سعيد بن جبير ،
وعكرمة ، ومن الفقهاء :
الشافعي ،
ومالك ،
وأبو حنيفة - رضي الله عنهم - .
والمذهب الثاني : أنها جائزة سواء شرط البذر على الزارع ، أو على رب الأرض ، وبه قال من الصحابة :
علي بن أبي طالب كرم الله وجهه ،
وعمار بن ياسر ،
وعبد الله بن مسعود ،
وسعد بن أبي وقاص ،
ومعاذ بن جبل - رضي الله عنهم - ، ومن التابعين :
سعيد بن المسيب ،
ومحمد بن سيرين ،
وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، ومن الفقهاء :
سفيان الثوري ،
وأبو يوسف ،
ومحمد .
والمذهب الثالث : أنه إن شرط البذر على صاحب الأرض لم يجز ، وإن شرطه على الزارع جاز ، وهو مذهب
أحمد بن حنبل ،
وإسحاق بن راهويه .
واستدل من أجاز ذلك برواية
عبيد الله بن عمر ، عن
نافع ، عن
ابن عمر - رضي الله عنه -
nindex.php?page=hadith&LINKID=923431أن النبي - صلى الله عليه وسلم - عامل أهل خيبر على شطر ما يخرج من ثمر وزرع . وروى
سفيان بن عيينة ، عن
عمرو بن دينار قال : قلت
لطاوس : يا
أبا عبد الرحمن ، لو تركت المخابرة ، فإنهم يزعمون أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عنها فقال : يا
عمرو ، أخبرني أعلمهم
ابن عباس أنه لم ينه عنها ولكن قال : لأن يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خرجا معلوما . وروى
عروة بن الزبير ، عن
زيد بن ثابت ، قال : " رحم الله
رافع بن خديج ، أنا أعلم بهذا الحديث منه " - يعني ما رواه عن المخابرة - قال
زيد :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923432 " أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلان من الأنصار ، وكانا قد اقتتلا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن كان هذا شأنكما فلا تكروا المزارع .
قالوا : ولأن المعاملة على الأصول ببعض نمائها يجوز كالمساقاة على النخل ، والمضاربة بالمال ، وكذلك
المخابرة على الأرض . قالوا : ولأنه لما جازت المخابرة إذا اقترنت بالمساقاة جازت بانفرادها .
[ ص: 452 ] والدليل على فسادها مع ما رواه
الشافعي - رضي الله عنه - في صدر الباب عن
ابن عمر ، رواية
الشافعي عن
سفيان ، عن
ابن جريج ، عن
عطاء ، عن
جابر قال :
نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن المخابرة . والمخابرة كراء الأرض بالثلث والربع ، وروى
يعلى بن حكيم ، عن
سليمان بن يسار nindex.php?page=hadith&LINKID=923433أن رافع بن خديج قال : كنا نخابر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وإن بعض عمومتي أتاني فقال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أمر كان لنا نافعا ، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا وأنفع ، قال : فقلنا : " وما ذاك " قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من كانت له أرض فليزرعها ، أو ليزرعها أخاه ، ولا يكاريها بثلث ولا ربع ، ولا طعام مسمى ، وروى
ابن خثيم ، عن
أبي الزبير ، عن
جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923434من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله ، ولأن الأصول التي تصح إجارتها ، ولا تصح المعاملة عليها يعنى كسبها ، وكذا الأرض لما جازت إجارتها لم تجز المخابرة عليها .
فهذه دلائل الفريقين في صحة المخابرة وفسادها ، ولما اقترن بدلائل الصحة عمل أهل الأمصار مع الضرورة الماسة إليها ، وكان ما عارضها محتملا أن يكون جاريا على ما فسره
زيد بن ثابت ، وقال
عبد الله بن عباس : كان
صحة المخابرة أولى من فسادها مع صحة شهادة الأصول لها في المساقاة والمضاربة .