مسألة : قال
الشافعي : رحمه الله تعالى : " وما اكترى فاسدا وقبضه ، ولم يزرع ولم يسكن حتى انقضت السنة ، فعليه كراء المثل " .
قد ذكرنا أن ما قبضه المستأجر عن عقد صحيح فمنافعه مضمونة عليه ، سواء تصرف فيه أو لم يتصرف ، فأما
ما قبضه عن عقد فاسد من أرض أو دار ، فهو أيضا ضامن لأجرة مثلها سواء سكن وتصرف ، أو لم يسكن ولم يتصرف .
وقال
أبو حنيفة : إن تصرف ضمن الأجرة ، وإن لم يتصرف لم يضمنها استدلالا بأنه عقد لا يستحق فيه التسليم فلم يستحق فيه العوض إلا بالانتفاع ، كالنكاح الفاسد طردا ، والصحيح عكسا .
ودليلنا هو أنها منافع يضمنها في العقد الصحيح فوجب أن يضمنها في العقد الفاسد وإن تصرف ، ولأن ما ضمنه من المنافع بالتصرف ضمنها بالتلف على يده من غير تصرف كالعقد الصحيح ، ولأن المنافع جارية مجرى الأعيان في المعاوضة والإباحة ، ثم ثبت أن
ما قبض من الأعيان عن عقد فاسد فهو مضمون عليه ، سواء تلف بتصرفه ، أو غير تصرفه كالعقد
[ ص: 470 ] الصحيح ، وجب أن تكون
المنافع إذا تلفت مضمونة في العقد الفاسد كضمانها في العقد الصحيح .
فأما الجواب عن قياسه على النكاح الفاسد ، فهو أنه إن كانت المنكوحة حرة ، فالحرة لم تزل يدها عن نفسها ولا عن بضعها ؛ فلذلك لم يضمن مهر بضعها إلا بالتصرف ، وإن كانت أمة فإنه وإن استقر الغصب على منافعها فهو غير مستقر على بضعها بل يدها عليه أثبت ، ولذلك وجب على الغاصب أجرة مثلها ، استخدم أو لم يستخدم ، ولم يجب عليه مهر مثلها ما لم يستمتع بها ، ولذلك منع سيد الأمة من بيعها إذا غصبت : لأن يد الغاصب حائلة ، ولم يمنع من تزويجها إذا غصبت : لأنه ليس للغاصب على البضع يد حائلة ، والله أعلم وأحكم .