مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وكل ما ظهر عليه عنوة من بلاد العجم ، فعامره كله لمن ظهر عليه من المسلمين على خمسة أسهم " .
قال
الماوردي : اعلم أن
بلاد الشرك إذا صارت من بلاد الإسلام ، فعلى ضربين :
أحدهما : أن تصير من بلاد الإسلام عفوا بإسلام أهلها طوعا من غير إيجاف خيل ولا ركاب ، ولا بتهديد وإرهاب فحكم ذلك حكم ما أحياه المسلمون من أمصارهم في ملكهم لرقاب عامرها واستواء كافة المسلمين في إحياء موتاها ، وجميعها أرض عشر فيما أسلموا عليه من عامر ، وما استأنفوا إحياءه من موات .
والضرب الثاني : ما ظهر عليه المسلمون باليد والغلبة ، وذلك ضربان :
أحدهما :
ما ملك عنوة .
والثاني : ما فتح صلحا ، فأما المملوك عنوة فعامر مغنوم يقسم خمسة على خمسة من أهل الخمس ، وتكون أربعة أخماسه مقسومة بين الغانمين ، فأما مواته فلهم فيه حالان :
أحدهما : أن لا يذبوا عنه ، ولا يمنعوا منه ، ويخلوا بينه وبين المسلمين من غير حائل عنه ، فهذا في حكم موات المسلمين من أحياه فقد ملكه ، ولا يختص به الغانمون دون غيرهم .
والحال الثانية : أن يذبوا عنه ويمنعوا منه ، ويقاتلوا دونه ، فقد صار الغانمون أولى به ، ثم اختلف أصحابنا
هل صاروا أولى به يدا ، أو ملكا ؟ على وجهين :
أحدهما : أنهم أولى به يدا كالمحجر على الموات وهو أولى به ، لمحجره ويده من غيره ، وإن لم يصر ملكا له فإن أخروا إحياءه قال لهم الإمام : إما أن تحيوه أو ترفعوا أيديكم عنه ليحييه غيركم ، كما يقول لمن يحجر مواتا في بلاد الإسلام ، وهذا قول أبي إسحاق المروزي وأبي حامد الإسفراييني : لأن منع المشركين منه تحجير ثم انتقلت أيديهم إلى الغانمين فصاروا بالغنيمة متحجرين ، فعلى هذا الوجه لو بدر غير الغانمين فأحياه ، ملكه كما يملك ما أحياه من موات ما يحجر عليه مسلم في بلاد الإسلام .
[ ص: 503 ] والوجه الثاني : وهو قول
أبي حامد المروزي وأبي الفياض أن الغانمين أولى بالموات ملكا : لأنه قد صار بالمنع تبعا للعامر ، فلما ملك الغانمون العامر ملكوا ما صار تبعا له من الموات ، فعلى هذا لا يملكه غيرهم بالإحياء ، ولا يعترض عليهم برفع اليد بتأخير الإحياء ، ولا يجوز لغيرهم أن يأخذ من معادن هذا الموات شيئا لا من ظاهرها ، ولا من باطنها ، وعلى الوجه الأول يجوز فهذا حكم ما فتح عنوة ، وسيأتي حكم ما فتح صلحا ، والله أعلم .