مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن عمل بإذنه أو على أن ما خرج من عمله فهو له فسواء ، وأكثر هذا أن يكون هبة لا يعرفها الواهب ، ولا الموهوب له ، ولم يجز ، ولم يقبض وللإذن الخيار في أن يتم ذلك أو يرد وليس كالدابة يأذن في ركوبها : لأنه أعرف بما أعطاه وقبضه " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال . إذا
ملك معدنا في أرض أحياها ، أو اشتراها فظهر فيها ثم أن رجلا عمل فيه فأخرج منه قطعا فلا يخلو أن يكون عمل بإذنه أو بغير إذنه ، فإن كان بغير إذنه فهو متعد بذلك ، ولا أجرة له ، وما أخرجه فلصاحبه ، وإن كان ذلك بإذنه فلا يخلو من أن يأذن له على أن يخرجه العامل لنفسه أو له ، فإن أذن له على أن يخرجه له فما يخرجه يكون له ، وهل للعامل الأجرة أم لا يكون ؟ يحكم فيه كالحاكم في الغسال إذا أعطاه الثوب ليغسله فغسله من غير أن يشترط له أجرة ، وأما إذا أذن له على أن ما يخرجه العامل فلنفسه دونه ، فإن ذلك لا يصح : لأنها هبة مجهولة ، والمجهول لا يصح تملكه ، وكل ما يخرجه فإنه يرده على صاحب المعدن إلا أن يستأنف له هبة بعد الإخراج ويقبضه إياه ، ولا أجرة للعامل : لأنه عمل لنفسه وإنما تثبت له الأجرة إذا عمل لغيره بإجارة صحيحة أو فاسدة .
فإن قيل : أليس إذا قارضه على أن يكون الربح كله للعامل فعمل وربح ، فإن الربح يكون لرب المال ، وأجرة المثل للمقارض ، وهاهنا قد عمل لنفسه : لأنه شرط جميع الربح . فالجواب : أنه ليس كذلك وإنما عمل لغيره : لأن رأس المال ليس له ، وإنما هو
[ ص: 506 ] لغيره ، والبيع والشراء يقع لغيره دونه ، فأما في مسألتنا فإن العمل وقع لنفسه ، ولم يقصد بذلك إلا نفسه ، فلهذا لم يكن له أجرة ، فأما إذا استأجره لإخراج شيء من المعدن فإنه ينظر ، فإن استأجره مدة معلومة صحت الإجارة ، وإن كان العمل معلوما مثل أن يقول : تحفر لي كذا وكذا ذراعا صح ذلك إذا كانت الأجرة معلومة ، فأما إذا استأجره لذلك وجعل أجرته جزاء مما يخرجه من المعدن مثل أن يقول : ثلثه ، أو ربعه ، فإن الإجارة فاسدة : لأنها مجهولة ، وله أجرة المثل ، فإن كان ذلك بلفظ الجهالة مثل أن يقول : إن أخرجت منه شيئا فقد جعلت لك نصفه أو ثلثه فإنه لا يجوز : لأن الذي جعل له كمجهول القدر ، وإن جعل معلوما فقال : إن أخرجت منه كذا فقد جعلت لك عشرة دراهم ، صح ذلك كما لو قال : من جاء بعبدي ، أو قال : إن جئت بعبدي فلك دينار صح ذلك ، والله أعلم .