فصل : والشرط الرابع :
أن لا يكون على معصية ، فإن كان على معصية لم يجز : لأن الوقف طاعة تنافي المعصية فمن ذلك أن يقفها على الزناة ، أو السراق ، أو شراب الخمر ، أو المرتدين عن الإسلام ، فيكون الوقف في هذه الجهات باطلا : لأنها معاص يجب الكف عنها فلم يجز أن يعان عليها ، فلو وقفها على رجل بعينه فكان الرجل حين وقفها عليه مرتدا ، فعلى الوقف وجهان :
أحدهما : باطل كما لو وقفها على من ارتد .
والوجه الثاني : جائز ، والفرق بين أن يقفها على مرتد فيجوز ، وبين أن يقفها على من ارتد فلا يجوز من وجهين :
أحدهما : أن
الوقف على من ارتد وقف على الردة ، والردة معصية ، والوقف على رجل هو مرتد ليس يوقف على الردة ، فلم يكن وقفا على معصية .
والفرق الثاني : في الوقف على من ارتد إغراء بالدخول في الردة ، وليس في الوقف على مرتد إغراء بالدخول في الردة : لأن غيره لو ارتد لم يكن له في الوقف حق ، وفي المسألة الأولى لكل من دخل في الردة إن لو صح الوقف .
فأما إذا
وقفها على مسلم وارتد عن الإسلام ، فالوقف صحيح وأبطله
أهل العراق ، وهذا خطأ : لأن أملاك المسلمين لا يبطل بالردة ، فصار الوقف على المرتد ينقسم على هذه الأقسام الثلاثة :
باطل : وهو أن ينفقه على من ارتد .
وجائز : وهو أن ينفقه على مسلم فيرتد .
ومختلف فيه : وهو أن يقفه على رجل مرتد .
فأما
الوقف على اليهود والنصارى فجائز سواء كان الواقف مسلما أو غير مسلم : لأن الصدقة عليهم جائزة ، وإن منعوا المفروض منها ، فلو وقف على رجل ليحج عنه ، ولا يكون وقفا على نفسه : لأنه لا يملك شيئا من غلته ، فلو ارتد عن الإسلام لم يجز أن يصرف الوقف والحج عنه : لأن الحج عن المرتد لا يصح وصرف في الفقراء والمساكين ، فإن عاد إلى الإسلام أعيد الوقف إلى الحج عنه ، ولو وقفها في الجهاد عنه جاز ، فلو
ارتد الواقف عن الإسلام كان الوقف على حاله مصروفا في المجاهدين عنه ، والفرق بين الحج والجهاد أن المرتد لا يصح منه الحج ويصح منه الجهاد ، فأما
الوقف على الكنائس والبيع فباطل سواء كان الواقف مسلما أو ذميا : لأنها موضوعة للاجتماع على معصية ، ولو
وقف دارا ليسكنها [ ص: 525 ] فقراء اليهود ومساكينهم ، فإن جعل للفقراء المسلمين ومساكينهم فيها حظا جاز الوقف ، وإن جعلها مخصوصة بالفقراء اليهود ففي صحة وقفها وجهان :
أحدهما : جائزة كالوقف على فقرائهم .
والوجه الثاني : لا يجوز : لأنهم إذا انفردوا بسكناها صارت كبيعهم وكنائسهم ، فأما
الوقف على كتب التوراة والإنجيل فباطل : لأنها مبدلة ، فصار وقفا على معصية ، وكان بعض أصحابنا يعلل بطلان الوقف عليها بأنها كتب قد نسخت وهذا تعليل فاسد : لأن تلاوة المنسوخ من كتب الله تعالى وآياته خطأ ليس بمعصية ، ألا ترى أن في القرآن منسوخا يتلى ويكتب كغير المنسوخ ، فهذا حكم الشرط الرابع ، وما يتفرع عليه .