فصل : وإذا تقرر أن وقف الإنسان على نفسه لا يجوز فلا يخلو
حال الواقف على نفسه من أحد أمرين : إما أن يكون عاما أو خاصا ، وإن كان خاصا ، فعلى قسمين :
أحدهما : أن يقول : وقفته على نفسي ثم على الفقراء والمساكين ، ولا يجوز أن يكون وقفا لنفسه ، وهل يبطل أن يكون وقفا للفقراء والمساكين ، فعلى قولين :
أحدهما : أنه باطل ؛ لأنه فرع لأصل باطل .
والقول الثاني : جائز : لأنهم صاروا فيه أصلا عند بطلان الأصل ، فعلى هذا هل يستحقونه قبل موته أم لا ؟ على وجهين :
أحدهما : أنهم لا يستحقون إلا بعد موته اعتبارا بظاهر شرطه ويكون أحق بغلته منهم .
والوجه الثاني : أنهم يستحقون الوقف في الحال ، وإلا صار وقفا بعد مدة : ولأنه لو صارت الغلة إليه قبل موته لصار وقفا على نفسه ومعمولا فيه على شرطه .
وإن كان الوقف عاما ، فعلى ضربين :
أحدهما : أن تكون منافعه مباحة كمرافق المسجد وماء البئر ، فهل يكون فيه كغيره من المسلمين سواء شرط ذلك لنفسه أو لم يشترط استدلالا بوقف
عثمان - رضي الله عنه - ولقوله عليه الصلاة والسلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923461المسلمون شركاء ثلاث .
والضرب الثاني : أن تكون منافعه ليست على أصل الإباحة كثمار النخل والشجر ، فهذا على ضربين :
أحدهما : أن يطلقه ولا يشترط لنفسه شيئا منه ؛ كرجل وقف نخلا على الفقراء والمساكين وأبناء السبيل وصار من جملتهم ، دخل فيه وجاز أن يأكل منها كأحدهم : لأنه من جملتهم بوصفه لا بعينه ، فلم يكن ذلك وقفا عليه : لأنه على موصوفين لا على معنيين فيساوي من شاركه في حقه .
[ ص: 527 ] والضرب الثاني : أن
يشترط لنفسه أن يأكل منها غنيا أو فقيرا كان فيه وجهان :
أحدهما : وهو قول
ابن سريج ،
والزبيري ، أنه يجوز : لأنه قد أخرجه عاما ، فجاز أن يدخل في العموم بعينه كما يدخل فيه بوصفه .
والوجه الثاني : وهو مذهب
الشافعي رحمه الله أنه لا يجوز أن يدخل فيه بعينه كما لم يجز أن يدخل في الخاص بعينه ، فإذا قلنا : يجوز دخوله فيه على الوجه الأول ففيه وجهان :
أحدهما : أنه حق قائم على التأبيد يخلفه فيه ورثته وورثة ورثته ما بقوا ، فإذا انقرضوا عاد حينئذ على جماعة الفقراء والمساكين .
والوجه الثاني : أنه مقدر بمدة حياته ، فإذا مات عاد إلى الفقراء دون ورثته إلا أن يكونوا من جملة الفقراء ، وإذا قيل : إنه يجوز دخوله فيهم بعينه فهل يكون ما جعله من ذلك لنفسه باقيا على ملكه أم داخلا في عموم وقفه ؟ على وجهين :
أحدهما : أنه باق على ملكه : لأن الوقف بطل فيه وصح فيما سواه .
والثاني : أنه دخل في عموم وقفه : لأن الوقف بقي في الجميع ، وإنما بطل الاستثناء في الحكم .