فصل : فأما
العقد فهو بذل من الواهب ، وقبول من الموهوب له ، أو من يقوم فيه من ولي ووكيل ، فإذا قال الواهب : قد وهبت فتمامه أن يقول الموهوب له على الفور : قد قبلت ، فإن لم يقبل لم يتم العقد ، وقال الحسن البصري : القبول غير معتبر في عقد الهبة كالعتق ، وهو قول شذ به عن الجماعة ، وخالف به الكافة إلا أن يريد به الهدايا ، فللهدية في القبول حكم يخالف قبول الهبات نحن نذكره من بعد .
والدليل على أن
عقد الهبة لا يتم إلا بالقبول
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أهدى إلى النجاشي مسكا فمات النجاشي قبل وصول المسك إليه فعاد المسك إليه فقسمه بين نسائه ، ولو صار المسك للنجاشي لما استحل ذلك ولأوصله إلى وارثه ، ولأنه تمليك تام ينتقل عن حي فافتقر إلى قبول كالبيع ، وفارق العتق من حيث إن المعتق لو رد العتق لم يبطل ، والموهوب له لو رد الهبة بطلت فلذلك ما افتقرت الهبة إلى قبول ، ولم يفتقر العتق إلى قبول ، فعلى هذا لو قال : قد وهبت لك عبدي هذا إن شئت فقال : قد شئت ، لم يكن قبولا حتى يقول : قد قبلت ، فيصح العقد وإن كان معلقا بمشيئته : لأنها إنما تكون هبة له إن شاءها ، ولو قال الموهوب له : قد قبلته إن شئت ، لم يصح : لأن قبول الهبة إنما يكون إلى مشيئة القابل دون الباذل ، فلو ابتدأ الموهوب له فقال : هب لي عبدك إن شئت فقال : قد شئت لم يكن ذلك بذلا حتى يقول : قد وهبت ، فلو قال : قد وهبت إن شئت لم يجز : لأن بذل الهبة إنما يكون إلى مشيئة الواهب دون الموهوب له .