فصل : وإن كانت
اللقطة بمكة فمذهب
الشافعي - رحمه الله - أنه ليس لواجدها أن يتملكها ، وعليه إن أخذها أن يقيم بتعريفها أبدا ، بخلاف سائر البلاد .
[ ص: 5 ] وقال بعض أصحابنا :
مكة وغيرها سواء في اللقطة : استدلالا بعموم الخبر ، وهذا خطأ : لما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923528إن إبراهيم حرم مكة ، فلا يختلى خلاؤها ، ولا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا تحل لقطتها إلا لمنشد ، وفي المنشد تأويلان : أحدهما وهو قول
أبي عبيد : أنه صاحبها الطالب ، والناشد هو المعرف الواجد لها ، قال الشاعر :
يصيخ للنبأة أسماعه إصاخة الناشد للمنشد
فكأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
لا يحل لأحد أن يتملكها إلا صاحبها التي هي له دون الواجد ، والتأويل الثاني وهو قول
الشافعي : أن المنشد الواجد المعرف ، والناشد هو المالك الطالب . وروي
أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فقال : أيها الناشد غيرك الواجد ، معناه لا وجدت ، كأنه دعا عليه ، فعلى هذا التأويل معنى قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923530لا تحل لقطتها إلا لمنشد ، أي : لمعرف يقيم على تعريفها ولا يتملكها . فكان في كلا التأويلين دليل على تحريم تملكها ، ولأن
مكة لما باينت غيرها في تحريم صيدها وشجرها تغليظا لحرمتها ، باينت غيرها في ملك اللقطة ، ولأن
مكة لا يعود الخارج منها غالبا إلا بعد حول إن عاد ، فلم ينتشر إنشادها في البلاد كلها ، فلذلك وجب عليه إدامة تعريفها ،
ولا فرق بين مكة وبين سائر الحرم : لاستواء جميع ذلك في الحرمة .
فأما
عرفة ومصلى
إبراهيم - صلى الله عليه وسلم - ففيه وجهان : أحدهما أنه حل تحل لقطته قياسا على جميع الحل ، والوجه الثاني أنه كالحرم لا تحل لقطته إلا لمنشد : لأن ذلك مجمع الحاج وينصرف النفار منه في سائر البلاد كالحرم ، ثم اختلفوا في جواز
إنشادها في المسجد الحرام مع اتفاقهم على تحريم إنشادها في غيره من المساجد على وجهين ، أصحهما جوازه اعتبارا بالعرف وأنه مجمع الناس .