مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإذ حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ضوال الإبل فمن أخذها ، ثم أرسلها ضمن " .
قال
الماوردي : وهذا قد مضى ، وذكرنا أن
ضوال الإبل في الصحراء لا يجوز لواجدها [ ص: 28 ] أخذها إلا في إحدى حالتين : إما أن يكون الإمام قد ندبه لأخذ الضوال حفظا لها على أربابها كما يفعله الإمام في المصالح من حفظ الأموال ، وإما أن يكون الواجد عارفا لصاحبها فيأخذها ليردها عليه من غير احتياج إلى تعريف ، فيجوز حينئذ للواجد في هاتين الحالتين أن يأخذها .
أما الحالة الأولى فما عليه إلا العمل فيما ندب إليه ، وأما الحالة الثانية فمستحب لما أمر الناس به من التعاون ، إلا أن يقول بوجوب أخذ اللقطة إذا خيف هلاكها ، فيصير حينئذ واجبا ، فإن أخذها الواجد في غير هاتين الحالتين كان متعديا وصار لذلك ضامنا ، فإن تلفت وجب غرمها عليه ، وإن رفع يده عنها فله في رفع يده ثلاثة أحوال : أحدها أن يردها على مالكها فيسقط الضمان عنه ، والحال الثاني أن يرسلها من يده ، فعليه الضمان ، سواء أرسلها حيث وجدها أو في غيره .
وقال
مالك وأبو حنيفة : إن أرسلها حيث وجدها سقط الضمان عنه . ولا أدري ما يقولانه في إرسالها في غير موضع وجودها ، وبنيا ذلك على أصلها في ضامن الوديعة بالتقصير إذا كف عنه زال عنه ضمانها .
واستدلالا بأن ضمان الصيد على المحرم يسقط بإرساله ، فكذلك ضمان الضوال بالأخذ يسقط بالإرسال ، وهذا جمع مفترق واستدلال فاسد وأصل منازع : لأن الصيد يضمن على المحرم في حق الله تعالى ، فإذا أرسله صار كعوده إلى مستحقه ، وليس الضوال كذلك : لأنها تضمن في حق آدمي ، فلم يكن إرسالها عودا إلى مستحقها ، ألا ترى أن الصيد لو كان ملكا لآدمي فضمنه المحرم ثم أرسله ، سقط عنه حق الله تعالى في الجزاء ولم يسقط عنه حق الآدمي في الغرم ، والحال الثالثة أن يدفعه إلى الإمام أو الحاكم ، ففي سقوط الضمان عنه وجهان :
أحدهما : يسقط كعودها إلى يد النائب عن الغائب . والوجه الثاني : أن الضمان لا يسقط لتعدي الواجد ، والله أعلم .