[ ص: 29 ] باب الجعالة
مسألة : قال ولا جعل لمن جاء بآبق ولا ضالة أن يجعل له ، وسواء من عرف بطلب الضوال ومن لا يعرف به " .
قال
الماوردي : وهذا كما قال وليس يخلو من
رد آبقا أو ضالة من أحد أمرين : إما أن يردها بأمر مالكها أو بغير أمره ، فإن رد ذلك بغير أمر المالك فقد كان ضامنا باليد وسقط عنه الضمان بالرد ولا أجرة له ، سواء كان معروفا بطلب الضوال ومن لا يعرف .
وقال
مالك : إن كان معروفا بطلب الضوال فله أجرة المثل في العبد والبهيمة ، وإن كان غير معروف بذلك فلا شيء له .
وقال
أبو حنيفة : إن كان المردود عبدا أو أمة فله إن رد من مسافة ثلاثة أيام فصاعدا أربعون درهما ، وإن رده من أقل من مسافة ثلاثة أيام فله أجرة المثل ولا شيء له في رد البهيمة ، وسواء كان برد الضوال معروفا أو غير معروف استدلالا منهما على اختلاف مذهبيهما بما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
أنه جعل لمن رد آبقا من خارج الحرة دينارا ، وروى أصحاب
أبي حنيفة تارة موقوفا على
ابن مسعود ، وتارة هكذا عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
من رد آبقا فله أربعون درهما وروي أن رجلا رد ضالة لرجل ، فقال الناس : لقد حاز أجرا عظيما ، فقال
ابن مسعود : وله مع ذلك أربعون درهما . وكان من مسيرة ثلاثة أيام .
وروي عن
عمر وعلي - رضوان الله عليهما - أنهما قالا : من رد آبقا فله عشرة دراهم وليس لهم في الصحابة مخالف ، فصار ذلك منهما إجماعا على استحقاق الجعل ، قالوا : ولأنه حكم موضوع على ما أدى إلى حفظها ورفق أربابها فيها ، فلو منع الراد لها من جعل يستحقه عليها لامتنع الناس من ردها ، ولأن ذلك إلى تلفها ولحوق المشقة الغالبة في طلبها .
ودليلنا عموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=923215لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه ، ولأن المنافع كالأعيان ، بل أضعف ، فلما كان لو
استهلك أعيانا في رد ضالة من طعام أو علف لم يستحق به عوضا ، فإذا استهلك منافع نفسه فالأولى أن لا يستحق بها عوضا .
[ ص: 30 ] وتحريره قياسا أن
ما تطوع باستهلاكه في الضوال لم يرجع بعوضه كالأعيان ، ولأنه لو أوصل المالك إلى ملكه لم يستحق به عوضا ، فكذلك إذا أوصل الملك إلى مالكه لم يستحق به عوضا لتطوعه في كلا الحالين ، وتحريره أنه جمع بين المالك وملكه تطوعا فوجب أن لا يستحق به عوضا ، كما لو أوصل المالك إلى ملكه ، والدليل على مالك خاصة أن من تطوع باصطناع معروف لم يستحق به جعلا كغير المعروف ، ومن الدليل على
أبي حنيفة خاصة أن
استحقاق الجعل على رد العبد لا يخلو من أن يكون لكونه ملكا أو لكونه آدميا ، فإن كان لكونه ملكا بطل استحقاقه وذلك لكونه ملكا : لأنه لو رد بهيمة أو لقطة لم يستحق شيئا ولم يجز أن يستحق ذلك لكونه آدميا : لأنه لو رد صبيا قد ضاع لم يستحق شيئا ، فبطل بهذين أن يستحق في رد العبد شيئا ، قال : أما الجواب عما رواه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أو ذكروه من إجماع الصحابة - رضي الله عنهم - فقد قال
أحمد بن حنبل : لم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة شيء منه ، ولو صح لكان محمولا على أحد وجهين : إما على اشتراط ذلك لمن جاء به خاصة قبل المجيء ليصير مستحقا للجعل بالشرط ، وإما لتقرير بأجرة المثل في الجعالة الفاسدة ، وأما ما ذكروه من الإرفاق والمصلحة فمنتقض بالطعام والعلف .