مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " وإن كان أحدهما مقيما بالمصر ، والآخر من غير أهله ، دفع إلى المقيم " .
قال
الماوردي : إذا
وجد اللقيط في المصر رجلان : أحدهما من أهل المصر ، والآخر من أهل مصر آخر وهو غريب في هذا المصر ، فالواجد له من أهل مصره أحق بكفالته من الغريب الذي ليس من أهله : لأن قيامه في البلد الذي وجد فيه أشهر لحاله وأقرب إلى ظهور نسبه ، ولكن لو انفرد الغريب بالتقاطه وأراد إخراجه من البلد الذي وجد فيه إلى بلده ، فإن كان غير أمين أو كان الطريق غير مأمون ، فلا حق له في كفالته ، وإن كان أمينا والطريق مأمون فعلى ثلاثة أقسام :
أحدها : أن يكون بلده قريبا على أقل من يوم وليلة فهو مستحق لكفالته إذا تساوى البلدان ، أو كان بلد الملتقط أصلح ، فأما إن
كان بلد اللقيط مصرا وبلد الملتقط قرية ففيه وجهان :
أحدهما : لا حق له في كفالته : لأن المصر أنفع له من القرية : لما فيه من كثرة العلوم والآداب ووفور الصنائع والاكتساب . والوجه الثاني : يستحق كفالته وإخراجه إلى قريته : لأن القرية ربما كانت أعف وكان أهلها أسلم ومعايشهم أطيب ، ولأن حاله في القرية أيسر منها في المصر الكبير لقلة من فيها وكثرة من في المصر ، وقلما يمكن أن يشعر في القرى بفاحشة تخفى وريبة تكتم .
[ ص: 41 ] والقسم الثاني : أن يكون بلده بعيدا وأخباره منقطعة ، والطارئ إليه أو منه نادر .
كمن بالعراق إذا أراد نقله إلى الشرق أو الغرب ، فلا حق له في كفالته لإضاعة نسبه وخفاء حاله ، فلو قال الغريب : أنا أستوطن بلد اللقيط ، قلنا : أنت حينئذ أحق بكفالته ، وإنما تمنع منه إذا أردت العود إلى بلدك .
والقسم الثالث : أن يكون بلده بعيدا على أكثر من يوم وليلة ، لكن أخباره متصلة والوارد منه كثير ،
كالبصرة وبغداد ، ففي استحقاقه لكفالته وجهان :
أحدهما : لا حق له في كفالته : لأن حظ اللقيط في بلده أكثر وحاله فيه أشهر .
والوجه الثاني : أنه مستحق لكفالته لتساوي البلدين في التعليم والتأديب ، وربما كان في غير بلده أنفع ، فعلى هذا الوجه يتعين لحاكم بلد اللقيط أن يكتب إلى حاكم بلد الملتقط يذكر حاله وإشهار أمره .