مسألة : قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : " غير أن الذمي إذا ادعاه ووجد في دار الإسلام فألحقته به أحببت أن أجعله مسلما في الصلاة عليه وأن آمره إذا بلغ بالإسلام من غير إجبار ( وقال ) في كتاب الدعوى إنا نجعله مسلما لأنا لا نعلمه كما قال ، قال
المزني : عندي هذا أولى بالحق : لأن من ثبت له حق لم يزل حقه بالدعوى فقد ثبت للإسلام أنه من أهله وجرى حكمه عليه بالدار ، فلا يزول حق الإسلام بدعوى مشرك ، قال
الشافعي - رحمه الله تعالى - : فإن أقام بينة أنه ابنه بعد أن عقل ووصف الإسلام ، ألحقناه به ومنعناه أن ينصره ، فإذا بلغ فامتنع من الإسلام لم يكن مرتدا ، نقتله وأحبسه وأخيفه رجاء رجوعه . قال
المزني - رحمه الله - : قياس من جعله مسلما أن لا يرده إلى النصرانية " .
قال
الماوردي : وصورتها في
ذمي ادعى لقيطا ولدا وألحقناه به نسبا ، فهذا على ضربين :
[ ص: 56 ] أحدهما : أن يلحق به بعدما صار مسلما وصلى وصام والتزم شرائع الإسلام ، فهذا يجرى عليه حكم الإسلام وإن لحق نسبه بذمي : لأن فعله للإسلام أقوى من اتباعه لغيره في الكفر ، فهل يصير بوصف الإسلام قبل البلوغ مسلما حتى لو رجع عنه بعد البلوغ صار مرتدا أم لا ؟ على ما ذكرنا من الوجوه الثلاثة .
أحدها : أنه لا يصير بذلك مسلما ، وسواء ألحق بالذمي بمجرد الدعوى أو ببينة شهدت له بأنه ولد على فراشه .
والضرب الثاني : أن يلحق به في صغره وطفولته وقبل صلاته وصيامه ، فهذا على ضربين : أحدهما أن يلحق به ببينة تشهد بأنه ولد على فراشه ، فهذا تجري عليه أحكام الكفر تبعا لأبيه : لأن قيام البينة العادلة لولادته على فراشه تأصل عن حكم الأصل في ظاهر الدار . والضرب الثاني : أن يلحق به بمجرد الدعوى من غير بينة ففيه قولان :
أحدهما : ينقل من حكم الإسلام إلى حكم الكفر : لأنه صار لاحقا بكافر فصار الظاهر غير ذلك الظاهر .
والقول الثاني وهو اختيار
المزني : أنه يكون باقيا على حكم الإسلام ولا ينقل عنه للحوقه بكافر : لأن حكم الدار أقوى من دعوى محتملة ، فعلى هذا إن خيف عليه من افتتانه بدين أبيه حيل بينه وبين أبيه وأخذ بنفقته حتى يبلغ ، فإن بلغ ووصف الإسلام تحقق حكمه فيه ، وإن وصف الكفر ومال إلى دين أبيه أرهب وخوف رجاء عوده ، فإن أبى إلا المقام على الكفر فبعدا له ولا يصير بذلك مرتدا ، ويقر على ما اختاره لنفسه من الكفر : لأن فعله أقوى حكما من غالب الدار ، والله أعلم .