[ ص: 53 ] مسألة : قال
الشافعي : "
والإقامة فرادى إلا أنه يقول قد قامت الصلاة مرتين ، وكذلك كان يفعل
أبو محذورة مؤذن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن قال قائل : قد أمر
بلال بأن يوتر الإقامة . قيل له فأنت تثني الله أكبر الله أكبر فتجعلها مرتين
قال
الماوردي : اختلف الناس في الإقامة على ثلاثة مذاهب : أحدها : وهو مذهب
الشافعي أنه فرادى إلا قوله : " قد قامت الصلاة . " فإنه يقول مرتين فتكون إحدى عشرة كلمة ، وبه قال من الصحابة
عمر ، وابن عمر ، وأنس ، ومن التابعين
الحسن ، وابن سيرين ، ومن الفقهاء
أحمد ، وإسحاق
والمذهب الثاني : وهو مذهب
مالك أنه فرادى مع قوله قد قامت الصلاة فيكون عشر كلمات ، وبه قال
الشافعي في القديم
والمذهب الثالث : وهو مذهب
أبي حنيفة : أنه مثنى مثنى كالأذان وزيادة قوله " قد قامت الصلاة " مرتين فيكون سبع عشرة كلمة
استدلالا برواية
عامر الأحول أن
مكحولا حدثه أن
ابن محيريز أخبره أن
أبا محذورة حدثه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921076علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم الأذان تسع عشرة كلمة يوم فتح مكة والإقامة سبع عشرة كلمة " . وبرواية
أبي حنيفة أن
بلالا كان يؤذن مثنى مثنى ، ويقيم مثنى مثنى
وروي أن
أبا طالب - رضي الله عنه - سمع رجلا يفرد الإقامة فقال : ثن لا أم لك قال : ولأنه دعاء إلى الصلاة فوجب أن يكون مثنى كالأذان قال : ولأنه أحوط في الإقامة فوجب أن يكون كهو في الأذان كالطرف الأخير . قال : ولأن في الإقامة ما ليس في الأذان فلا يكون ما فيها ما في الأذان أولى
ودليلنا : رواية
سماك عن
أيوب ، عن
أبي قلابة ، عن
أنس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921077أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة
وروى
يعمر عن
أيوب ، عن
أبي قلابة ، عن
أنس قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921077أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة إلى قوله : قد قامت الصلاة ، قد قامت الصلاة
وروى
شعبة عن
أبي جعفر عن
أبي المثنى عن
ابن عمر قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=921078إنما كان الأذان على [ ص: 54 ] عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين مرتين ، والإقامة مرة مرة غير أنه يقول : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة
وروى
عمار بن سعد القرظ عن أبيه أنه أذن مثنى مثنى ، وأقام فرادى ، وقال هذا الذي أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم
بلالا أن يؤذن به
لأبي سلمة بن الأكوع ، فإنه كان
nindex.php?page=hadith&LINKID=921079الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مثنى مثنى ، والإقامة فرادى
وروى
محمد بن علي عن أبيه
علي بن أبي طالب أنه قال : نزل
جيريل بالإقامة فرادى ، ولأنه ثان لأول يستفتح بتكبيرات متوالية فوجب أن يكون الثاني أقصر من الأول ، كصلاة العيدين في عدد التكبير ، ولأن الأذان أوفى صفة من الإقامة ، لأنه يأتي به مرتلا ، وبالإقامة أدراجا ، فاقتضى أن يكون أوفى قدرا ، كالركعتين الأوليتين لما كانت أوفى صفة بالجهر كانت أوفى قدرا بالسورة ، ولأن أسباب الصلاة إذا تجانست ، وبني أحدهما على التخفيف بني على التبعيض ، كالتيمم لما جانس الوضوء ثم يبنى على التخفيف في تجويزه بالتراب ، والمسح بني على التخفيف في الاقتصار من الأعضاء على البعض والرأس ، لما قصر عن الأعضاء بالتخفيف قسما قصر عنها بالتخفيف تبعيضا ، فلما كانت الإقامة مبنية على التخفيف أدراجا اقتضى أن يكون على التخفيف تبعيضا
وأما الجواب عن حديث
أبي محذورة وبلال فمن وجهين :
أحدهما : أنها كانت متقدمة تعقبها أخبارنا ، لأنه أمرهم بالإفراد بعد أن كانوا على خلافه
والثاني : أنها وإن عارضت أخبارنا ، فأخبارنا أولى لمطابقة فعل
أهل الحرمين لها
وأما قياسهم على الأذان فالمعنى فيه أنه لما وضع للإعلام كان أكمل قدرا كما كان أكمل صفة ، والإقامة لما وضعت للاستفتاح كانت أقل قدرا ، كما كانت أقل صفة
وأما قياسهم على الطرف الآخر فلا يصح ، لأن الأذان لما كان موضوعا للإعلام وكان الإعلام بأوله كان أوله زائدا على آخره لحصول الإعلام بأوله ، والإقامة لما كانت موضوعة للاستفتاح جاز أن يستوي أولها وآخرها
وأما قولهم : إنه لما كان في الإقامة ما ليس في الأذان فأولى أن يكون فيها ما في الأذان ، ففاسد بالتثويب ثم بالترتيل ، فإن صح ما ذكرنا فالسنة في الأذان التثنية بالترجيع ، والسنة
[ ص: 55 ] في الإقامة الإفراد إلا في قوله : " قد قامت الصلاة " . وقال
أبو العباس بن سريج : كل هذا من الاختلاف المباح وليس بعضه بأولى من بعض ، وهذا قول مطرح بإجماع المتقدمين على الاختلاف في أفضله وأوله