فصل : فإذا ثبت أن بيت المال أحق إذا كان موجودا يصرف الإمام العدل أمواله في
[ ص: 78 ] حقوقها ، فأما إذا
كان بيت المال معدوما بالجور من الولاة وفساد الوقت وصرف الأموال في غير حقوقها والعدول بها عن مستحقيها يوجب توارث ذوي الأرحام ورد الفاضل على ذوي السهام ، وهذا قول أجمع عليه المحصلون من أصحابنا ، وتفرد
أبو حامد الإسفراييني ومن جذبه الميل إلى رأيه فأقام على منع ذوي الأرحام والمنع من رد الفاضل على ذوي السهام استدلالا بأن ما ينصرف إلى بيت المال مستحق في جهات باقية إذا عدم بيت المال لم يبطل استحقاق تلك الجهات ووجب صرف ذلك المال فيها ، كالزكوات التي لم تسقط بعدم بيت المال ووجب صرفها في جهاتها ، وهذا الذي قاله فاسد من ثلاثة أوجه :
أحدها : ما يستحق صرفه من بيت المال في جهات غير معينة ، وإنما يتعين باجتهاد الإمام ، فإذا بطل التعيين سقط الاستحقاق ، وإن علم أن الجهة لا تعدم كالعربي إذا مات علمنا أن له عصبة ذكورا غير أنهم إذا لم يتعينوا سقط حقهم وانصرف ذلك إلى غير جهتهم وكذلك جهات بيت المال إذا لم تتعين سقط حقها وانصرف ذلك إلى غيرها ، وليس كذلك الزكوات لتعيين جهاتها وقطع الاجتهاد فيها فلم يسقط حقها مع التعيين وإن عدم من كان يقوم بمصرفها .
والثاني : أن مال الزكاة له من يقوم بصرفه من جهاته إذا عدم القيم من الولاة وهم أرباب الأموال ، فلزمهم القيام بذلك ما كان لازما للولاة ، وليس لمال الميت من يقوم بصرفه في هذه الجهات وليس يجوز أن يستحق مال بجهة لا تتعين بوصف ولا باجتهاد باطن : لما فيه من تضييع المال عن جهته فاعلمه .
والثالث : أن بيت المال إنما كان أحق بميراثه من ذوي الأرحام : لأن بيت المال يعقل عنه فصار ميراثه له ، فلما كان عدم بيت المال يسقط العقل عنه وجب أن يسقط الميراث منه ، وإذا كان ما ذكرناه ثابتا وكان توريث ذوي الأرحام عند عدم بيت المال واجبا فهكذا رد الفاضل عن ذوي السهام ، وسنذكر كيفية توريثهم والرد على ذوي الفروض في باب ذوي الأرحام في هذا الكتاب ، فإن في ذلك دقة واستصعابا ، ولعلها هي الصارفة لمن منعهم الميراث عند عدم بيت المال .