فصل : فإذا ثبت أنه لا يتوارث أهل ملتين فقد اختلفوا في
الكفر هل يكون كله ملة واحدة أو يكون مللا ؟ فمذهب
الشافعي أن الكفر كله ملة واحدة وإن تنوع أهله ، وبه قال
عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو مذهب
أبي حنيفة وصاحبه .
وقال
مالك : الكفر ملل ، فاليهودية ملة ، والنصرانية ملة ، والمجوسية ملة ، وبه قال من الصحابة
علي بن أبي طالب عليه السلام ، ومن التابعين
الحسن البصري وشريح ، ومن الفقهاء
الزهري والثوري والنخعي استدلالا بما أخبر الله تعالى من التقاطع
[ ص: 80 ] بينهم حيث يقول في حكايته عنهم :
وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شيء [ البقرة : 113 ] وتقاطعهم يمنع من توارثهم ، ولأن اختلاف شرائعهم يوجب اختلاف مللهم ، ولأن ما بينهم من التباين كالذي بين المسلمين وبينهم من التباين فاقتضى أن تكون مللهم مختلفة .
ودليلنا قوله تعالى :
والذين كفروا بعضهم أولياء بعض [ الأنفال : 73 ] وقال الله تعالى :
ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم [ البقرة : 120 ] فجمعهما ، وروى
عمرو بن مرة عن
أبي البختري الطائي عن
أبي سعيد الخدري عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
الناس خير وأنا وأصحابي خير ولأنهم مشتركون في الكفر وإن تنوعوا كما أن المسلمين مشتركون في الحق وإن تنوعوا ، وليس التباين بينهم بمانع من توارثهم كما يتباين أهل الإسلام في مذاهبهم ولا يوجب ذلك اختلاف توارثهم : لأن الأصل إسلام أو كفر لا ثالث لهما .